في منتصف يوم الأثنين الماضي تقريباً ، الموافق للسابع عشر من شهر سبتمبر الحالي ؛ فجأة ، ومن غير سابق إعداد أو إنذار انقلبت أغلب شاشات القنوات الفضائية لتغيّر بؤرة اهتماماتها وتصرِفْها عن سوريا ومصر والعراق وما شابهها من المناطق الساخنة التي تستحوذ على الأضواء والإعلام ، وتنتقل كلّها إلى العاصمة الأمريكية ، واشنطن حيث وقع هجوم على مقر القيادة البحرية الأمريكية هناك ، راح ضحيته حتى اللحظة (12) أمريكياً وعشرات الجرحى .
في تلك الأثناء ، ووسط ذهول وترقب ، أمسك العالم أنفاسه انتظاراً لمعرفة تفاصيل هذا الهجوم ومنفذيه ومن يقف ورائهم ممن تجرأ على اقتحام مقر قيادة عسكرية في عاصمة امبراطورية ترى أنها الأقوى في العالم ، وأنها قد آلت إليها مقاليد الربط والحل والضبط في غالب بقاعه ، وأنها تملك كل مقوّمات واحتياطات حفظ أمنها وحماية مؤسساتها جمعاء ، خاصة وأنها للتوّ – قبل خمسة أيام من الهجوم المذكور – قد أحيت ذكرى مريرة وأليمة على الشعب الأمريكي ، وهي ذكرى 11 سبتمبر .
المسلمون ؛ كانوا هم الأكثر خوفاً وترقباً عما ستتمخض عنه تحقيقات البنتاجون الأمريكي حيث أنهم موعودين بالويل والشنار في حالة ثبوت أن المهاجم مسلم ويحمل إحدى جنسيات دول العرب والإسلام . ولكنّ الله سلّم ، ولحسن الحظ لم يكن القاتل مسلماً وإلاّ لرأيتم ردّات الفعل مختلفة ، تبدأ بتوجيه ونشر اتهامات على غرار ” هجوم إرهابي” ينفذه تنظيم القاعدة وربما يُسند إلى الإخوان المسلمين أو السلفيين أو الصوفيين أو غيرهم من الجماعات الإسلامية التي تحتاج الآن لأن تحفظ – عن ظهر قلب – رائعة ابن المقفع المعنونة بـ ( أُكلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض ) .
ولرأيتم – لو كان المهاجم مسلماً – تحرّك الآلة الإعلامية والدبلوماسية بكل طاقتها ، ويتناوب عليها الرئيس الأمريكي أوباما مع وزير خارجيته كيري أو إخوانهم وأمثالهم ومتحدثيهم في البيت الأبيض ، يهددون ويتوعدون بالثأر والانتقام ، ويسمونه ( التأديب) ثم يتطوّر الأمر فيتدخل بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة معزياً ومستنكراً ويتبعه دول الغرب وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي غاضبين ومطالبين بمعاقبة وملاحقة الإرهاب . وستتوالى بيانات الشجب والإدانة من كل حدبٍ وصوب ، من الشرق والغرب ، تستنكر إراقة الدماء الأمريكية وإزهاق أرواح هؤلاء المقتولين الـ(12) بينما أضعاف أضعاف أضعاف هذا العدد يذبّحون كما النعاج لايستحقّون حتى جزء بسيط من هذه التحرّكات والبيانات .
ولسوف تستنفر وتتنافس حتى وسائل إعلامنا وصحافتنا العربية والإسلامية قواها لهذا المصاب الجلل وستتبرأ من هذا المهاجم – لو كان مسلماً – وستخرج علينا بعض الأصوات والأقلام من بني جلدتنا ممن تعرفونها ، تستغلّ الحدث لتصفية حساباتها وعداواتها ، فتتولى التحريض والمطالبة باجتثاث منابع الإرهاب وتطهير المساجد ومنابر الجمعة ومحاصرة العمل الخيري ، وتدعو لتغيير المناهج ونشر ثقافة التسامح مع الأديان الأخرى وما شابه ذلك من الدعوات والمطالبات التي تعرفونها في مثل هذه المواسم .
وستصحب كل ذلك أخبار وتصريحات عن تحرّكات للأساطيل والبوارج العسكرية التي تجوب محيطات العالم ، ومثلها ضجة كبيرة ضد العرب والمسلمين وتهديدات قد تتطور – لاسمح الله – إلى حرب على الإرهاب كما في أفغانستان والعراق .
سانحة :
الحمد لله أن منفذ الهجوم على مقر القيادة البحرية الأمريكية بواشنطن يوم الأثنين الماضي آرون ألكسيس البالغ من العمر (34) عاماً وهو جندي سابق بالبحرية الأمريكية لم يكن مسلماً ، ولاتربطه أي علاقة – من قريب أو بعيد – بالدول العربية والإسلامية .