المشهد الأول : نشرت إحدى الصحف المحلية يوم الثلاثاء الماضي 17 سبتمبر الحالي خبراً يتضمن تصريحاً من الشيخ عبدالمحسن العصفور رئيس مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية مفاده أن إدارته اتفقت مع وزارة الثقافة حول مسجد الخميس الأثري بحيث سيتم تطويره وسوف يُرفع فيه الأذان وتُقام الصلاة .
المشهد الثاني : في اليوم التالي ، أي يوم الأربعاء 18 سبتمبر الحالي ؛ نفت وزارة الثقافة وجود أي اتفاق مع إدارة الأوقاف الجعفرية لإحياء ما أسمته ( الطقوس الدينية ) في مسجد الخميس الأثري . لكنها أكدت أن الاتفاق تم بين الجهتين بشأن إنشاء مركز زوّار مسجد الخميس وتكوين مسار ثقافي تنموي للحفاظ على هذا المعلم باعتباره موقعاً أثريّاً . مبينة ” إنّ اتجاه الثقافة للحفاظ على المكوّنات التاريخية والإنسانية لن يتضمّن إحياء الطقوس الدينية من قلب المكان الأثريّ، بل سيتعامل مع المكان من منطلقات تاريخية وتراثية توثّق سيرة المكان وتفاصيله ” .
المشهد المفقود ( وهو الأهم ) : افتقدنا بين المشهدين شيئاً في غاية الأهمية لم يكن له أن يغيب ، ولا يصحّ السكوت عن تغييبه ، ويتعلق بتبعية مسجد الخميس للأوقاف الجعفرية ، ولماذا تقوم وزارة الثقافة بالاتفاق مع الأوقاف الجعفرية على تطويره ؟ من سلّم هذا المسجد التاريخي الهام للأوقاف الجعفرية ؟
المشهد المفقود هنا مؤلم جداً غيابه وعدم الاكتراث بالتطرق له ، والأكثر حزناً أن يُترك أمر الإشراف أو الحديث عنه لوزارة الثقافة ، وهي الوزارة التي على مدار السنوات القليلة الماضية لم تبدِ الاهتمام الواجب بقضايا الانتماء والهوية ، ولم يكن في وارد اهتماماتها مثل هذه الأمور ، خاصة بعدما اتجهت غالب أنشطتها بعد تحويرها لمفهوم الثقافة إلى استقطاب الفرق الراقصة والمغنين من الشرق والغرب مثل الفلامنجو والتينور والتانكو وسوبرانو، و إيلاريا ديلا بيديا وأوركسترا ستيت هيرميتاج والمايسترو يوجين كوهن وفرقة تايم لابس دانس وكارمن و… إلخ . وبالتالي ليس مستغرباً أن تسمي حتى شعائرنا الإسلامية ، الصلاة والأذان طقوساً دينية ، وذلك بحسب ماورد بالمشهد الثاني .
الدولة مطالبة الآن بالإعلان عن المشهد المفقود ؛ فمسجد الخميس معلم يعبر عن هوية وانتماء وتاريخ ينبغي عدم التهاون أو التفريط به ، وعلى الدولة أن تحفظ وثائقه وتمنع أي استيلاء عليه ، سواء بوضع اليد أو بسبب قربه من مناطق المذهب الشيعي . ومثلما غاب المشهد الأهم بين المشهدين الأول والثاني غابت أيضاً جهة هامة نفترض أنها مسؤولة عن حفظ أوقاف أهل السنة والجماعة ، فكنّا نتمنى أن يكون لها رأي أو تصريح عن مسجد الخميس .
سانحة :
الموضوع لايخصّ وزارة الثقافة أو وزارة العدل أو الأوقاف السنية أو الأوقاف الجعفرية كل على حدة . للأسف الشديد هناك توجه عام يتم تغذيته – بقصد أو دون قصد – قد ينتج عنه تقطيع مفاصل الدولة وخلخلة الأداء والتنسيق والعمل الجماعي ، وذلك بأن تُترك الملفات والقضايا الهامة والحيوية في مسؤولية وزارة واحدة ، حتى وإن كان موضوع تلك الملفات والقضايا متشعباً وتدخل فيه وزارات وأطراف أخرى يُفترض أنها داخل منظومة متكاملة ومتناغمة . وعلى العموم ؛ كلّ الأمل والرجاء أن تعيد الدولة صياغة منظومة اهتمامها بالانتماء والهوية ، أعني لغتها وثقافتها وتاريخها قبل فوات الأوان ، وذلك في ظل مخاطر غير خافية ، تمسّ الكيان والوجود والتبعية . إن التنازل عن مسجد الخميس يعني الكثير بالنسبة لتاريخ وهوية الوطن.