في زحمة الاشتغال أو الانشغال بالأحداث السياسة المختلفة وتداعياتها التي باتت – أو أوشكت – أن تسيطر على غالب مفاصل حياتنا ؛ يتلاشى الاهتمام أو الانتباه إلى قضايا مجتمعية خطيرة بدأت تلقي بظلالها علينا وتحتاج إلى من يقرع الأجراس بشأنها وعدم تركها للنسيان أو لأن تصبح من المعتاد عليها ، ثم تتفاقم وتتضخم ، وحينذاك تكون تكلفة علاجها وتجاوزها باهظة الثمن ، لأن معالجة الظواهر الاجتماعية واستئصالها أشدّ كلفة من معالجة المسائل السياسية والاقتصادية .
في الواقع ؛ كثيرة هي القضايا التي صارت تفتّ في عضد لحمتنا الاجتماعية دون أن نلقي لها بالاً أو نعطيها ما تستحقّه من العناية في ظل هذا الانشغال والاشتغال عنها . من ذلك – مثلاً – إن نسبة الطلاق في البحرين في ازدياد ، ازدياد مقلق ومتصاعد ، ويُقال أنها بحسب الإحصائيات تبلغ (23%) ، وهو رقم مخيف ، ويشكل تهديداً كبيراً للأسرة البحرينية التي هي أحد أهم مقوّمات البنية المجتمعية . وقد تلاحظون أنه بالرغم من معرفة الجهات الرسمية ومعها مؤسسات المجتمع المدني المختصة ، معرفتهم بحجم هذا الرقم (23%) إلاّ أن جهودهم وحملاتهم لمكافحة الظاهرة والحدّ منها ؛ إن وُجدت فإنها لاتتناسب إطلاقاً مع المخاوف والأخطار التي ينبيء بها هذا الرقم ..
من تلك – مثلاً أيضاً – القضايا التي اشتغلنا وانشغلنا عنها ؛ ما نشرته صحافتنا المحلية مؤخراً عن هروب خدم المنازل ، وذكروا رقماً مخيفاً بكل ما تعنيه الكلمة ، حيث ذكر مدير إدارة التفتيش والنقابات العمالية بوزارة العمل أن وزارته سجلت (880) حالة لعمالة منزلية تركت العمل بشكل مخالف للأنظمة منذ بداية العام 2013 ولغاية شهر يونيو 2013 ” أي أنه (880) حالة هروب خلال ستة أشهر فقط !! أي ما يقارب (140) شهرياً !!
وأترك للقراء الكرام تصوّر أين يذهب هذا العدد الكبير ؟ وكيف يتغلغل في مجتمعنا ؟ وماهي تأثيراته ؟ وماهي المهن التي يتكسّب منها مما أعرض عن الكتابة عنها حتى (لايزعل ) البعض وكذلك حتى يرى مقالي فرصته من النشر . وحتى لا يلتبس الموضوع على أحد فإن حالات الهروب المقصودة هنا (880) حالة تخص خدم المنازل فقط ، فقط . لأن الهروب في بقية أنواع العمالة الأجنبية فأرقامه أكبر ، ولانملك إزاءها إلاّ أن نردّد : اللهم احفظ بلادنا من عواقب الانشغال عن قضايانا الاجتماعية.
سانحة :
أحاول دائماً أن أصدق أن هروب هذا العدد الكبير من خدم المنازل وأمثالها من العمالة الأجنبية الهاربة عملية غير منظمة ، إذ لا يوجد من يُسهّل لهم الهروب ، ولا يوجد من يأويهم ، ولا يوجد من يُوفر لهم أعمالاً بديلة ، ولا يوجد من يستغلهم ويتاجر بهم و( يعلف عليهم ) ، ولا يوجد من يرشدهم ويوجههم ، وتبعاً لذلك لا توجد حاجة جدية لملاحقتهم والقبض عليهم في أوكارهم ومآويهم ومعاقبتهم وحفظ حقوق الكفلاء وأموالهم وقبل ذلك – وهو الأهم – حفظ الوطن من شرورهم وآثار بقائهم هاربين في أوساطنا وبين ظهرانينا ..