نسبة فوزها (42%) فقط ؛ ومع ذلك فقد تحدثت وسائل الإعلام الألمانية ومعها مختلف قنوات وفضائيات وصحف العالم بأنه فوز ساحق وكاسح ، تلقت التهاني والتبريكات على هذا الفوز الانتخابي من كل حدب وصوب ، ولم يتطرق أحد إلى أن نسبة فوزها (42%) ضعيفة أو قليلة أو تمثل أقلية أو … إلخ لالشيء سوى أن الانتخابات في تلك الدول المتحضرة يجري احترام شرعيتها ونتائجها والنزول إلى مخرجاتها حتى لو كانت بمثل هذه النسبة .
الفوز الذي أقصده هنا ؛ هو نتائج انتخابات جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي جرت مؤخراً حيث حققت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فوزاً بهذه النسبة (42%) لولاية ثالثة لإدارة بلد يُعد من أقوى اقتصاديات العالم ، استطاعت ميركل بقوتها وذكائها وإدارتها الحكيمة أن تعبر به الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت أوروبا وتمنع تأثيراتها على بلدها . واكتسبت ميركل طوال فترة رئاستها ألقاباً كثيرة لعل أكثرها شيوعاً ( امرأة ألمانيا الحديدية ) كما أن مجلة فوربس الاقتصادية صنفت ميركل بـ “أقوى امرأة في العالم” ثماني مرات خلال عقد . وألفت الصحفية جاكلين بويسن كتابا عن السيرة الذاتية لميركل ، وصفتها بأنها شخصية ” تتخذ قراراتها بناء على الأرقام والمعلومات والحقائق” وبالرغم من إنجازاتها وشعبيتها عند الألمان إلاّ أن فوزها كان بنسبة (42%) فقط .
على أن الموضوع لا ينتهي عند هذا الحد حيث سيتفاجأ البعض خاصة أولئك الذين يدندنون على مسألة فصل الدين عن السياسية أو الذين ينادون أو يقولون بأن الأحزاب السياسية يجب ألاّ تقوم على أساس ديني ؛ سيتفاجأون أن الحزب الذي تمثله وتترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ، وفازت من خلاله بولايتين انتخابيتين وهاهي تفوز بالولاية الثالثة هو (الحزب المسيحي الديمقراطي) هكذا اسمه منذ أن تأسس في عام 1945 بهدف معلن ، وهو “تجميع كافة القوى المسيحية الألمانية الخارجة من أتون الحرب العالمية الثانية في تجمع واحد “. ووفقاً لبرنامج هذا الحزب (الحزب المسيحي الديمقراطي) فإن أساسه يستند إلى الفهم المسيحي للإنسان وإلى مسؤوليته أمام الله . ويجسد هذا الحزب تأثير الدين على السياسة بألمانيا التي تعطي للمذهبين البروتستانتي والكاثوليكي دور المرجعية القيمية والأخلاقية بالبلاد، ويلتزم الحزب في كثير من الأحيان بتصورات الكنائس بعمله السياسي.
حكم الحزب المسيحي الديمقراطي ألمانيا (39) عاما ، من أبرزها فترتا حكم المستشارين كونراد أديناور (1949–1963) وهلموت كول (1982-1998) وقضى (23) عاما بمقاعد المعارضة وهو الآن في الحكم منذ ثمان سنوات ، و يُعد أكبر حزب سياسي من حيث عدد العضوية بألمانيا ، ويعزى لهذا الحزب (الحزب المسيحي الديمقراطي) الفضل في ثلاثة تحولات تاريخية مرت بها البلاد ، هي : النهوض بألمانيا ، وإعادة بنائها اقتصاديا بعد خروجها مدمرة من حربين عالميتين، وتوحيد شطري البلاد عام 1990 بعد سقوط جدار برلين.
سانحة :
ليست ألمانيا وحدها التي يحكمها حزب قائم على أساس ديني ، فهناك دول أوروبية أخرى ، فيها أحزاب لاتختلف في أساسها ومرجعيتها عن (الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني ) ، قد تكون على سدّة الحكم أو أنها موجودة وفاعلة في الحياة السياسية والنيابية هناك . فهل هي حلال على المسيحيين وحرام على المسلمين ؟!
قليل من الأشخاص يعرفون بعض العبارات التي تؤمن بها ميركل، مثل عبارة “يحتاج المرء إلى الصمت لكي يتمكن من التحدث بذكاء”.