نصيحة مخلصة أوجهها لكل من يشتغل في الشأن العام ويتولى مسؤوليات معينة يكون بسببها عرضة للظهور أمام الناس في صحافتهم أو قنواتهم الفضائية أو إذاعاتهم أو ندواتهم ومحاضراتهم أو وسائل التواصل الاجتماعي أو في جلسات ومحافل علنية ، في الداخل أو الخارج ، أو ما شابه ذلك مما تتطلبه مسؤوليات القيام بهذه المهمة التي تحتاج إلى سعة صدر تتقبل الانتقاد وتحتوي الاختلاف ، وقبلها سعة أفق ومدارك تمكّن هذا المشتغل بالشأن العام من أن يكون حاضر الفكر والبديهة والذاكرة .
ومادمنا قلنا ( الذاكرة ) فإن نصيحتي تتعلق بهذه الذاكرة ؛ فبعض الوزراء والمسؤولين والنواب والشوريين والبلديين وأصحاب الأقلام – وقلمي المتواضع منهم – يجب ألاّ يلقوا تصريحاتهم وكتاباتهم وكلماتهم وما شابهها ثم ينسونها أو يطلقونها بلا تثبت ، ودون أن يحاسبوا أو يتوقعوا أو يفترضوا أن هنالك من يتابعها أو يرصدها أو ( يقوقلها ) نسبة إلى أداة البحث الشهيرة ( جوقل ) Google أو ( يتوبتها ) نسبة إلى ( اليوتيوب ) YouTube فيُصار الرجوع إليها من أسهل الأمور ، بمجرّد ضغط بعض الأزرار على أجهزة الحاسوب أو الهواتف الذكية تستطيع أن تحصل لأحدهم – المشتغلين بالشأن العام – على مجموعة من تلك المواقف والآراء المتناقضة أو المتعاكسة أو المتباعدة أو المتغيرة أو سمّها ما شئت ، كلّها تندرج تحت بند ضعف الذاكرة الذي بات يوقع الكثير منهم في حرج عندما يبرز له الناس ما سبق أن قاله أو يعرضوا له تصريحات وكتابات وصور وتسجيلات وتغريدات لم يمض عليها كثير وقت حتى يخرج علينا بنقيضها وعكسها أو كأنه لم يتطرق إلى خلافها .
بعض الأحيان يتناقل الناس مسجات فيها صورة تصريح ونقيضه من ذات الشخص الذي ربما يكون وزيراً أو نائباً أو شورياً أو بلدياً أو … إلخ فيكون محل تهكّم وسخرية واستهزاء كان الأولى به أن يحفظ نفسه عنها فيزيد من ذاكرته ويتثبت في آرائه ومواقفه ويتحسّب للمتغيرات المجتمعية الكثيرة من حوله مما لا يستطيع الآن تجاوزها أو حتى الضحك عليها . فالناس الآن لديها ذاكرة عادية وذاكرة إلكترونية فضلاً عن وعي زاد وتنامى ، لا يحتمل الاستهانة به وإغفاله ، أو الاعتماد على أنه سيتقبّل أي شيء دون تمحيص أو تدقيق . فلا يضع أحد نفسه في مواقف ( بايخة ) يسيء فيها إلى شخصه ومنصبه والأسوأ إلى وطنه .
ولعلّ السوء يزداد سوءاً حينما يتصدّر بعض المشتغلين في الشأن العام الكلام والتعليق في كل شيء على شبكات التواصل الاجتماعي ، فيكون له حساب في التويتر أو الفيس بوك أو ما شابه دونما حساب لمركزه وثقله السياسي الذي قد يتطلب أن تكون كلماته محسوبة ورزينة ورصينة وموزونة مع ماقبلها وما بعدها ، ولاتسبب ( الفشيلة ) ولاتكون محل سخرية ولايتخذها الناس مسرحية أو تسلية لاتليق بصاحبها ، أقصد سواء بشخصه أو منصبه ومسؤوليته .