نافذة الجمعة

ماهي الهدية الجديدة ؟!

لا أعتقد أن سبب الخوف والهلع الذي يتفاقم اليوم ، خاصة عند دول الخليج العربي هو المكالمة الهاتفية ذات الــ (15) دقيقة التي جرت بين الرئيسين الأمريكي أوباما والإيراني روحاني على هامش مشاركة الأخير في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك مؤخراً . وذلك كأول محادثة بين الطرفين منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران 1979.

ولا يمكن الركون في تسبيب هذا الخوف إلى الهدية الثمينة التي قدمها أوباما هناك أيضاً إلى نظيره الإيراني ، وهي قطعة أثرية خاصة بالعصر الفارسي ، عبارة عن كأس من الفضة تعود تاريخها إلى القرن السابع قبل ميلاد المسيح، أي قبل 2700 عام ، وتُقدّر قيمتها بأكثر من مليون دولار . وهي بالمناسبة كانت مسروقة من أحد الكهوف في إيران ، وتم الإعلان عن ضبطها بواسطة سلطة الجمارك الأمريكية عام 2003م .

بمعنى ؛ ليس مجرد المكالمة الهاتفية والهدية بين الرئيسين الإيراني والأمريكي هي دليل تقارب بين الطرفين أثار هذه المخاوف حيث أفترض أن دول الخليج العربي ومعها دول العالم لاتنكر وجود هذا التقارب أصلاً ، وليست في معزل عن تفاصيل وجوده واشتغال مكينة الغدر والتآمر المشترك منذ عقود حتى أن دراسات وكتب ذات محتوى ووثائق كشفت أجزاء ليست قليلة من هذا التقارب والتنسيق . ومنها الكتاب الشهير الذي حمِل عنوان ” التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية ” لمؤلفه “تريتا بارسي” رئيس المجلس القومي الأمريكي الإيراني ، والذي يُعد أحد الخبراء في السياسة الخارجية الأمريكية وأظهر فيه مقدار التعاون والتنسيق والعلاقة الحميمية بين إيران وهذا الذي اعتادت الآلة الإعلامية والدبلوماسية الإيرانية على تسميته بـ ( الشيطان الأكبر ) حتى أن “تريتا بارسي” يقول عن ذلك في كتابه : ” أنّ اللوبي الصهيوني في أمريكا كان من أوائل الذين نصحوا الإدارة الأمريكية في بداية الثمانينيات بأن لا تأخذ التصريحات والشعارات الإيرانية المرفوعة بعين الاعتبار لأنها ظاهرة صوتية لا تأثير لها في السياسة الإيرانية “.

الأرجح ؛ أن الخوف الخليجي ناتج عن ثلاثة أمور : أولها : انتقال هذا التقارب المشؤوم من مرحلة إلى أخرى ، من مرحلة السر إلى العلن . وثانيها : هو توقيته المتزامن أو المتناغم مع انكفاء أي كلام عن تغيير النظام السوري وإضعاف أو تهميش المعارضة السورية والاتفاق الأمريكي الروسي عن بدء (مسرحية ) تدمير أو القضاء على الأسلحة الكيميائية . وثالث هذه الأمور ، وهي الأخطر : وجود تشابه مع أجواء عام 2003م خاصة من حيث مسرحية القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي انتهت فصولها بتقديم العراق هدية على طبق من ذهب إلى إيران .

وكان سبب الهدية في ذاك الوقت هو الصفقة التي تمت بين إيران و( الشيطان الأكبر ) وتتعلق بأفغانستان حيث يقول عن ذلك الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 9/2/2002 ” إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنه لو لم تساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني ” .

وتبعاً ذلك فإن الخوف الحقيقي لاعلاقة له بالقطعة الأثرية الثمينة التي أهداها أوباما إلى روحاني ،  وإنما يتعلق بالهدية المنتظرة الجديدة التي ستتحصّل عليها إيران جرّاء قتال قواتها هذه المرّة ضد الثوار السوريين والمحافظة على نظام الرئيس بشار الأسد الذي قال رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الصهيونية عاموس جلعاد في 14 نوفمبر 2011م” إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل “.

سانحة :

لعلّ من أهم أسباب التخبط السياسي وضعف التأثير أو عدم الاعتداد بدولنا ؛ هو أن أصحاب القرار في تلك الدول يعتمدون في استشاراتهم ومعلوماتهم وبياناتهم على من لايصدقهم القول ، وعلى من لايملك مؤهلات العلم والإخلاص والأمانة وغالباً ما يكونون من الفشلة أو الطبالة أو ( الحصّالات) البعيدين عن الغيرة الوطنية والحميّة الصادقة ممن قد لا يقدّمون إلا رؤيتهم أو لونهم المبرأ من أي قيمة بحثية أو استقصائية أو تاريخية مما لايمكن الاعتماد عليها في قرارات الدول وخططها ، في حاضرها ومستقبلها .

بينما الدول المتقدمة انحاز أصحاب القرار فيها إلى مراكز البحوث والدراسات وبنوك المعلومات ، واستقطبوا لاستشاراتهم نخب المجتمع وكفاءاته العلمية الرفيعة . وأصبحت للمعلومات والإحصاءات والبيانات مدلولات عندهم غاية في الأهمية ، بحيث لايمكن إصدار قرار  أو تنفيذ خطط أو رسم استراتيجيات من غير التعامل مع هذه المفردات . وبالتالي صارت هذه الدول  تتطور وتقوى وتحسم استراتيجياتها وخططها بنسب صحيحة ومدروسة تكاد تنعدم فيها حتى فرص الزيادة أو النقصان مثلما تمنع أي أحد من تجاوزهم أو تهميشهم أو الافتئات عليهم والغدر بهم .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s