يقول عضو الكونجرس الأمريكي جيمس فاردمان :” إنني أشك، أن رجلا برأس جوز الهند ، أو رجلا بلون الشكولاته يمسح حذائي يوميا، أنه في حالة من النضج تسمح له أن يكون مواطنا في هذا البلد ” هذه المقولة مضى عليها – ربما – أكثر من مائة عام لكنها ترسم بالفعل العقلية التي يعيش بها الأمريكان ، التكبّر والتعالي ، وأنهم من جنس آخر مختلف عن بقية الأجناس ، وأن لهم دور متميز لأنهم الأفضل والأقدر !
القس جون وينتروب ، يقولون عنه أنه من أوائل الذين أسهموا في غرس أسطورة التعالي والتكبر لدى الأمريكان ، ففي عام 1630 كان يقول : “علينا أن نتمعن ونتأمل مدينتا المقامة على التل، فعيون البشر جميعا تتطلع إلينا” هذا النبت تزايد واستقر في الوجدان الأمريكي مع مرور السنوات وأصبحت عندهم هي ( الأمة المثال ) وقيل عنها صاحبة ( الحق المطلق ) التي تتصرّف كيفما شاءت باعتبار التميز والتكبّر الذي يجعل منها شيئاً مختلفاً عن الأجناس .
فهي أسطورة تم إطلاقها ثم جرى رعايتها وغرسها في الوجدان الأمريكي إلى أن صارت حقيقة قائمة تنطلق منها في سائر تصرفاتها وسياساتها دونما حسيب أو رقيب ، وغالباً من دون خجل أو حياء لالشيء سوى أنها بالفعل جنس مختلف ، لايمكن محاسبته أو انتقاده أو وقف نزواته أو حتى ( تغليطه ) شأنهم في ذلك شأن الفراعنة الذين يقولون ” ماعلمت لكم من إله غيري ” .
وبالتالي لم يعد مستغرباً أو مستنكراً أية تصرّفات تصدر عنه حتى لو كانت على طريقة أفلام الكابوي الذي استقرّ عندهم أنه هو الرجل القوي والعادل الذي يحمي النساء والأطفال من وحشية الهنود الحمر الذين يستحقّون القتل والفتك بهم ، يستحّل دماءهم وأرواحهم وأراضيهم . لايستطيع أحد أن يمنعه من ذلك أو يكبح جماحه .
غير أن ( الكابوية ) تعدّت حدود هوليود وتخطّت العروض السينمائية لتصبح ممارسة واقعية ينفذها الأمريكان في كل أراضي العالم الذي أصبح كل من فيه إنما هم ( هنود حمر ) يأمرون وينهون فيهم ، ويعتبرونها أملاكاً خاصة بهم ، لا شأن للآخرين بها لكي يستأذنوا منهم أو يتكرّموا عليهم بإخطار . فبوارجهم أو طائراتهم وقاذفاتهم يمكنها أن تفزع لأي مكان في أرض الله الواسعة ، تدّك قرى ومدن آمنة ، فتسقط مئات القتلى والجرحى ، حتى لو كانت تقصد أو تبحث عن شخص أو شخصين ، فهذه الأرواح والدماء لاقيمة لها في الوجدان الأمريكي لأنها من جنس يختلف عن جنسه ، أو لربما ظنّوا – بالفعل – أنهم هنود حمر .
منهج ( الكابوية ) أتاح لهم التدخل في سياسات الدول وأنظمتها حتى صار الجميع يتراكض لإرضائها و( غفران ) زلاتها وتجاوز إساءاتها ويلهثون وراء رضاها أو يسعون للحصول على ابتسامة منها ، وهي في المقابل لاتكترث بهم ولاتعترف بوجودهم أو سيادتهم حتى أنها تستطيع أن تخترق بطائراتها الأجواء وتنتهك بقواتها سيادة الدول فتقتل أو تعتقل أو … إلخ ولا يقوى أحد على معاقبتها فضلاً عن محاسبتها أو على الأقل وقفها عند حدودها .
الغريب أن ( الكابوية ) التي تفعل ما تشاء ، يمكنها إذا تعلّق الأمر بآخرين غيرها ؛ أن تقيم الدنيا ولاتقعدها إزاء انتهاكات لحقوق الإنسان أو حريات التعبير وتطالب بمحاكمات عادلة وتدعو لضبط النفس وتتحدّث عن احترام قيم أخلاقية وإنسانية وما شابهها من أمور لاتلتزم هي أصلاً بها وتعتبر نفسها أنها غير معنية بها كما الآخرين الذين تدعوهم إليها !! وذلك وفق منطق التعالي والتكبّر. الأمثلة لاتكاد تهدأ ، في أفغانستان والعراق والسودان والصومال واليمن ، وفي السجون كغوانتنامو وأبوغريب ، وبالأمس دخلت إلى عاصمة جمهورية ليبيا واعتقلت أحد مواطنيها ( هكذا عيني عينك ) في سابقة مثيرة للخوف من أن يكون هذا سلوك طبيعي ومعتاد يمارسه ( الكابوي ) في دولنا بكل أريحية ولصوصية باعتبار أنه يتعامل معنا كـ ( هنود حمر ) يستبيح انتهاك سيادتهم ويتجاوز قوانينهم ويعتقل ويقتل و … إلخ .