الأزمات والأحداث الكبرى تصنع الرجال ، تصقلهم ، توسّع أو تعدّل مداركهم ، تغيّر نظراتهم ، تعيد رسم اهتماماتهم وأولوياتهم ، تنبّههم إلى إمكانياتهم وقدراتهم ، تثير لديهم الطموح نحو إثبات ذاتهم ، تستحثّهم إلى حبّ وطنهم وإظهار هذا الحبّ والعشق على شكل منتج مفيد وخادم لمحبّه . كثيرة هذه التحوّلات التي تطرأ على الأشخاص حينما يتعرّضون وتتعرّض أوطانهم لأزمات وأحداث هي أقرب إلى دق ناقوس خطر تجعلهم يتداعون لنصرته والدفاع عنه ، بل كأنما تعيد صناعة شخصياتهم من جديد .
لايستطيع أحد أن يخطيء النظر أو التمييز في مقدار هذا التغيّر الإيجابي الذي حصل عند معظم الناس – أقصد الأسوياء – وبالذات الشباب ( ذكور وإناث ) الذين هم عماد المستقبل ، والذين هم الآن – ربما في عمومهم- قد اختلفت شخصياتهم ونمت وصاروا كما ( العيال كبْرت ) ، لايستطيع أحد أن يضحك عليهم أو يضللهم أو يقيدهم أو أن يخترق استقلالية آرائهم وقناعاتهم وقراراتهم ، ولم يعد الإعلام بقوالبه أو ( توابيته) و( حركاته ) القديمة يستطيع التأثير عليهم .
التغيرات المحلية والإقليمية والدولية صنعت منهم شيئاً آخر ، متحمساً ، متقداً ، يفدي وطنه ، يحب الإنجاز ، يحبّ أن يكون له أثر ، يرنو لأن يكون لعلمه وعطائه قيمة أو لنقل ضريبة يدفعها وفاء لصالح مجتمعه .
مناسبة ماسبق ؛ هو أن بين يدي إصدار جديد لأحد هؤلاء الشباب المخلصين لوطنهم ، ممن آثروا أن يكون لهم بصمة رائعة في خضم الأحداث التي تمرّ بها البلاد ، هذه البصمة لها طابع خاص ومتميز يختلف عن كثير من الأعمال والإنجازات التي انخرط فيها شبابنا تطوّعاً لرفد مسألة الدفاع عن وطنهم وحماية هويته وثقافته وتاريخه .
هذا الإصدار هو دراسة علمية رصينة ومتخصصة قام بإعدادها الباحث الشاب النشط حسام الدين جابر سالم تحمل عنوان ” العلاقات البحرينية الإيرانية – من العام 1979 إلى 2013م ” تناول فيها غالب ما يمكن أن يحتاج أصحاب القرار والمراقبون والإعلاميون و… إلخ معرفته حول هذه العلاقة من حيث تاريخها والمراحل التي مرّت بها وطبيعة النظام السياسي وعلاقة القوى في إطار نظام الحكم في البلدين والعلاقات الإيرانية بالقوى الإقليمية عبر بحث علاقتها بكل من العراق والسعودية وقضية الجزر الاماراتية وتوازن القوى في منطقة الخليج العربي وتأثير ذلك على العلاقات البحرينية الإيرانية، إضافة إلى تناول محور العلاقات الأمريكية بكل من البحرين وإيران وتأثيرها على العلاقات بينهما والعوامل المؤثرة فيها، وحالات الصراع ومؤشرات التعاون بين البلدين . وقد خلص هذا الباحث المثابر والنشط إلى وضع سيناريوهات واقعية ورصينة لمستقبل العلاقات بين البلدين في ضوء ما سبق من تحليل معمق في العلاقات البينية من خلال ثلاثة سيناريوهات لهذا المستقبل ، أطلق عليها سيناريو استمرار الوضع القائم وسيناريو توتر العلاقات وسيناريو تعزيز التعاون والتقارب.
بقي أن أشير إلى أن من أكثر ما يميز هذه الدراسة القيّمة أنها جهد علمي ذاتي بحت ، أقصد بذاتيته أنه نابع من قناعات المؤلف الشاب وإبداعاته ، من غير تكليف من أحد سوى حسّه الوطني . كما أن ذاتيته ناشئة أيضاً من أن تمويل دراسته وطباعتها إنما هي على حسابه الشخصي . أخيراً لابد أن نشيد بهذا الإصدار ونعتبر أنه قد حقق إضافة نوعية لمكتبتنا الوطنية ، ستثري الطلبة والباحثين والمهتمين بمعلومات وبيانات تكشف الكثير من حقائق العلاقة البحرينية الإيرانية .. فشكراً حسام .