الآن ؛ وبعد أن انقلبت العدالة وانكشف عوار النظام العالمي الذي يديره الكابوي الأمريكي بمعاونة الغرب والروس وظهر زيف دعاوى نشر الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية والمحافظة عليها وما شابهها من ادعاءات تبين أنها مجرّد ( شمّاعات ) تخفي وراءها غايات وأهداف أخرى لاعلاقة لها بالأخلاق أو المباديء. وصار جليّاً في هذا النظام الفاشل أن الدماء المسلمة هي أرخص من أي شيء لديهم ، وأنها مستباحة إلى درجة أنها بلاثمن حتى لو تجاوز الضحايا خانة مئات الآلاف يجري ذبحهم على مرأى ومسمع العالم بأجمعه في مجازر لا يماثلها البشاعة إلاّ ما حصل أيام غزو المغول والتتار لديار المسلمين منذ عدة قرون . الآن ؛ وبعد أن غضّ النظام العالمي بصره عن الانتصار لأرواح آلاف الشهداء من إخواننا السوريين الذين سقطوا خلال العامين الماضيين باستخدام مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة والمحظورة بحسب لوائح نظامهم العالمي ، ولم يبادر لوقف شلّال الدم هناك ، ثم يكتفي بنزع سلاح الجزار مع الإبقاء عليه دون مساس . الآن ؛ وبعد أن شارفت القضية الفلسطينية على الانهيار بعد نحو ستين عاماً ، بفعل الاحتلال وبفعل الحصار دون أن يكون لهذا النظام أي دور لإعادة الحق إلى نصابه الصحيح أو إنقاذ المقدّسات أو حتى إنفاذ بعض قراراته بحقهم . الآن ؛ وبعد أن أصبحت ديار المسلمين مستباحة لمؤامرات وموعودة بتقسيمات وتوزيعات كما ( الكعكة ) وعرضة لمختلف صنوف الابتزاز من أجل الاعتراف بشرعية الجلادين والجزّارين . أمام كل ذلك التآمر والإحباط ، وأمام ازدواج المعايير ، وإزاء الظلم البيّن للمقدّرات والمكتسبات والمكوّنات ؛ أصبح لزاماً على الأمة العربية والإسلامية أن تقوم بثورة أخلاقية تجاه مايمارسه النظام العالمي الذي تقوده أمريكا بمعاونة الغرب والروس وأن ترفض آلياته ومؤسساته التي أصبحت أداة ( طيّعة ) أو مطيّة لإضفاء ما يُسمى بالشرعية الدولية على عمليات الاحتلال أو الاعتداء أو الانتهاك أو ما شابهها من صنوف ( العربدة ) التي جعلت من بلداننا مسرحاً واسعاً لها . المملكة العربية السعودية الشقيقة التي هي بيت العرب والمسلمين الكبير أخذت على عاتقها أن تقود زمام المبادرة ، وأن تعلن عن غضبها وعدم الرضا تجاه المؤسسة الأهم في هذا النظام ، وهي الأمم المتحدة . لقد اختارت السعودية أن تفاجأ العالم بقوّة عزمها وقرارها موقفين في شهر واحد : أولهما : امتناعها في بداية شهر أكتوبر الحالي عن إلقاء كلمتها في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أو حتى توزيع كلمة مكتوبة معربة عن استيائها من سيطرة فئة مهيمنة على قرارات المنظمة الدولية عطّلت حل القضية الفلسطينية ولم تتدخل لوقف المجازر المروّعة التي ترتكب في سوريا، ولم تساعد الأقلية المسلمة في بورما . لم تكتفِ المملكة العربية السعودية بذلك ، وإنما بعد مضي حوالي (20) يوماً على موقفها الأول ؛ تبعته بموقف آخر أشدّ صرامة ، بل محل للفخر ومدعاة للاحتذاء به ، وهو اعتذارها عن قبول عضوية غير دائمة في مجلس الأمن الدولي حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعلياً وعملياً من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين، مؤكدة أن ذلك يأتي انطلاقاً من مسؤولياتها التاريخية تجاه شعبها وأمتها العربية والإسلامية وتجاه الشعوب المحبة والمتطلعة للسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم . وقالت إن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة مظالم الشعوب ، واغتصاب الحقوق، وانتشار النزاعات والحروب في أنحاء العالم. إن أنظمة الدول العربية والإسلامية مدعوّة جميعها اليوم لأن تسير على النهج السعودي في تعاملها مع مؤسسات ومنظمات النظام العالمي الذي يديره الأمريكان بمعاونة الغرب والروس ، وأن يصرخوا في وجه آليات هذا النظام الظالم بقولهم : كفاية .. سانحة : لعلها مصادفة ؛ أنه في يوم 17 أكتوبر 1973 أعلن الملك فيصل رحمه الله كلمته التي هزّت العالم وأوقفت سير حركة التاريخ : ” إننا على استعداد أن نحرق البترول ونعود لعصر الجمل والخيمة ” .