“إن الحقيقة التي ينبغي على الجميع إدراكها ، هي أن دولة الرفاه الحالية التي تعوّدها الكويتيون من المهد إلى اللحد غير قابلة للاستمرار” هذه أهم عبارة أطلقها يوم أمس الأول ( الأثنين ) سمو الشيخ جابر بن مبارك الصباح رئيس الوزراء الكويتي خلال تقديم برنامج حكومته للسنوات الأربع المقبلة إلى البرلمان . ودعا أثناء ذلك إلى إعادة النظر في أسعار السلع والخدمات والدعم الحكومي . كما طالب في كلمته باعتماد نظام ضرائبي محذراً من مخاوف من مشكلات وعجوزات مالية كبيرة قد لا يستطيع الاقتصاد الكويتي تجاوزها .
كلمة رئيس الوزراء الكويتي كانت ضافية واستحوذت على جلّ اهتمام وسائل الإعلام المحلية والخليجية وكذلك العالمية لعدّة أسباب ، زمانية ومكانية ، لعل أهمّها أنها صادرة عن حكومة دولة غنية ، تُعد من أغنى دول النفط ، إنتاجاً واحتياطاً لايتوقع أحد أن يأتي قرع مثل هذا الجرس الهام منها لولا أنها استشعرت مسؤوليتها وأحسّت بأن هنالك التزاماً أدبياً وأخلاقياً بأن تحيط مواطنيها بكل صراحة وشفافية برؤيتها وخططها وتوجهاتها وتبين لهم مقدار خطر الاستمرار في نهج معين ارتأوا ضرورة التفكير في تغييره أو الحدّ منه وعدم القبول بوجوده دون إصلاح. في كلمة سمو الشيخ جابر بن مبارك الصباح وردت أيضاً إشارة هامة تقول : “ضرورة تحول المجتمع الكويتي من مستهلك لمقدرات الوطن إلى منتج”.
وأحسب أن هذه الدعوة التي انطلقت من الكويت لاتخصّها لوحدها بقدر ماهي الآن مشكلة خليجية يتداولها خبراء المال والاقتصاد وأصحاب القرار ، همساً أو جهراً ، باعتبار أن استمرار الاعتماد على الدولة بات من الصعب بقاؤه إلى مالانهاية ، وقد آن أوان التفكير في البدائل . على أن ثمّة بدائل ينبغي الذهاب إليها من دون المساس بمكتسبات المواطنين ورفاهية عيشهم ، يمكن اللجوء إليها قبل الكلام عن رفع الدعم الحكومي لبعض السلع والخدمات ، وهو الرفع الذي قد يضير الناس في أرزاقهم وسويّة حياتهم .
لقد آن الأوان – مثلاً – للتفكير في فرض نظام ضرائب على دخل الشركات والمؤسسات – وليس الأفراد – وهو نظام معمول به في غالب بلاد العالم ، وسيحقق تطبيقه إضافة لموارد الدخل القومي قد لايُستهان بها بالنسبة لدولنا التي لازالت تعتمد على النفط كمورد رئيسي – وربما وحيد – لمواردها المالية . وقد استشعر الوالد الفاضل خليفة بن أحمد الظهراني أهمية اللجوء إلى مثل هذه البدائل ، فتقدّم باقتراح قانون من أجل فرض الضرائب على الشركات نأمل أن نرى تحقيقه . كما أن تقليل إنفاق الدولة على خدماتها سيحقق وفراً يمكن استغلاله نحو مشروعات وبرامج أخرى ، ومن ذلك الوفر هو أن تشرع بدون تأجيل في تنفيذ التأمين الصحي على الأجانب خاصة بعد زيادة صور الضغط الهائل على الخدمات الصحية واستنزاف هذه الخدمات اعتمادات هائلة من ميزانية الدولة .
على أن هنالك موارد طبيعية أخرى قد حبا الله بها دول الخليج العربي لم يتم استغلالها بشكل كامل رغم وفرتها أو تميز هذه الدول عن غيرها بتوافر هذه الموارد طوال أيام السنة تقريباً ، وأعني هنا الطاقة الشمسية التي بالاستفادة منها قد نستغني عن كثرة من الأشياء فضلاً عن أنها مع غيرها من البدائل قد تمنع حكوماتنا من المساس برفاهية شعوبها ..