ارتباك أو غفلة أو نوم أو انشغال أو سوء تخطيط أو ربما سوء فهم أو قصور تحليل أو كلّ ذلك وغيره في آن واحد ؛ قد يكون هو التوصيف الصحيح للحالة التي نعيشها اليوم في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة مما قد تكون نتائجها صادمة ولاترحم المغفلين أو الذين لم يحسنوا الركوب في القطار .
مؤشرات كثيرة تدل على أن دول الخليج ؛ ربما تكون الخاسر الأكبر في محصلة النتائج التي تتكوّن أسبابها الآن ، أما من سيربح المليون – مثلما يقولون – فإن المؤشرات ذاتها تتحدّث عن أن الفائز ستكون هي إيران التي استطاعت بسياستها – وربما – دهائها أن تصنع طيلة عدة عقود ماضية وهماً عنوانه العداء مع دولتين : أمريكا والكيان الصهيوني ، الأولى تسميها الشيطان الأكبر ، والثانية تهددها بالإلقاء في البحر . وذلك قبل أن تتكشف شيئاً فشيئاً حقيقة أن تلك العداوات والمماحكات بين الطرفين إنما هي مثل ( الخدع السينمائية ) أو هي كما السراب ؛ كلما اقتربنا منه لم نجده شيئاَ.
الخسارة الأكبر هنا تتجاوز – في حقيقتها – السياسة وتذهب إلى ما هو أبعد وأخطر ؛ إنها تتعلق بالدين ، تتعلق بالتغوّل على مذهب أهل السنّة والجماعة الذي لا يجد من يحميه أو يرعاه أو ينتصر له أو يغضب له أو ما شابه ذلك من صور دعم وتبني ورعاية رسمية ومالية يتلقاها المذهب الشيعي من إيران في كل أنحاء المعمورة ، سواء في مجاهيل آسيا أو أدغال أفريقيا أو حواضر أوروبا وأمريكا بينما لا يلقى مذهب المصبّ الرئيس ، مذهب أهل السنّة والجماعة حتى نصف هذه الرعاية والدعم والاهتمام بنشره.
انظروا إليها – إيران – كيف تغلغلت في أفغانستان حتى أنه يُشار إليها هذه الأيام بالبنان والفضل في تسهيل الخروج الآمن للقوات الأمريكية في أفغانستان . أما العراق فقد تسلمتها – إيران – نهاراً جهاراً وآلت إليها مقاليد الضبط والربط وقرارات الحل والعقد في بغداد الرشيد حتى أنه تم الإعلان أمس الأول عن إيقاف الصلاة في مساجد أهل السنة والجماعة ناهيك عن الاستهداف بالقتل على الهوية السنية للعلماء والرموز هناك بالضبط مثلما يحصل في الأحواز . اذا انتقلنا من العراق فستجدون لبنان التي أصبحت أو كادت الآن تكون الناطق الرسمي باسم الجمهورية الإيرانية لنصل بعدها إلى سوريا التي تذكرنا مذابحها بغزو المغول والتتار في غابر الأزمان ، لقد نزلت فيها إيران اليوم بكل ثقلها ، جيشها وحرسها الثوري – بحسب ما يقال – هو الذي يدير المعركة هناك .
المواقع التي تتغوّل فيها إيران لصالح المذهب الذي ترعاه لا تتوقف هناك فقط عند سوريا بعد ابتلاع لبنان والعراق وإنما تمتد أياديها في دول الخليج – مما تعرفون –لتصل إلى هناك في دماج باليمن السعيد ، التي تدور فيها معارك غير متكافئة ، بين بسطاء لا يملكون إلا النزر اليسير من العدد والعتاد وبين دولة – إيران – نزلت ضدّهم بقضّها وقضيضها رغبة منها في أن تُحكم سيطرتها على إحدى البوابات الهامة لجزيرة العرب التي – بالفعل – صارت دولها تراقب عن كثب من يحيط السوار على رقبتها ويريد خنقها من دون أن تنتبه أو من دون أن تزيل عنها حالة اللاوعي أو اللافهم ، وتظن أنها ( تلعب ) سياسة بينما الأمر تجاوز هذه ( الملهاة ) وأصبح الأمر يتعلق بالدين والهويّة .
سانحة :
يذهب إلى سوريا : نوعان من المقاتلين : أحدهما : تدعمه حكومته وتمدّه بالمال والسلاح ، وتحفظ أسرته ، وتفتخر به . والمقاتل الآخر : مطارد من حكومته ، مطعون في دينه ، متهم بالإرهاب ، وربما يكون مُلاحق وموعود بالسجن عند عودته .. من هما هذين المقاتلين ؟ في تفاصيل الجواب على هذا السؤال يمكن التعرّف على الفرق بين معادلتين : معادلة التغوّل والتوسع ومعادلة التحجيم والانكفاء .