حسناً فعل المجلس الأعلى للمرأة أن تنبّه لدور الإعلام في المجتمعات ومدى تأثيره وضرورة الاستفادة منه ؛ فجعل لاحتفاله بيوم المرأة هذا العام شعاراً حمِل عنوان ” المرأة والإعلام ” ، وهو عنوان هام وملحّ ، انطلاقاً مما قلناه وسنظل نكرّره أن أكثر مايميز عصرنا الحالي هو تلك الثورة الهائلة ، وربما غير المسبوقة في المعلومات والفضائيات وشتى أنواع ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيري ، بحيث اختصرت المسافات وتقاربت الشعوب ، وظهرت آليات للتواصل كان مجرّد التفكير فيها في السابق من ضروب السحر أو ربما الخيال الذي لايخطر على بال أحد ، لولا أن أرض الواقع قد حوّلت العالم بالفعل إلى مايشبه القرية الواحدة بفضل التطوّر التقني الكبير الذي اختصر الزمان والمكان وأصبح مجرّد الضغط على بضعة أزرار على أجهزة إلكترونية متعددة ، ترافقك أينما كنت ، وعلى مدار الساعة ، كفيلة بأن تحصل فيها على ماتريد من بيانات وما تشاء من معلومات وأخبار ، بل ويمكنك أن تتابع مايعنّ على بالك من أحداث من أي موقع في العالم ، ليس بعد حصولها وإنما قد تراها مباشرة وهي تدور رحاها بصورة كان متابعتها ورؤيتها وجلب معلوماتها وتفاصيلها يستلزم مدداً بالأيام وربما بالشهور مما انتهى به الأمر في نهاية المطاف أنه يصعب أو يستحيل التفكير في حجب أحداث أو قطع معلومات أو وقف بثّ ونشر أو ما شابه ذلك من أمور انتهى زمانها وولّى الاهتمام بها والرجوع إليها إلاّ من بعض الذين يعيشون على نمط النهج والعصرالقديم للإعلام ، الإعلام الذي بال عليه الزمن ، يستمتعون بالمنع أو الحذف أو الفبركة أو التدليس أو السماح ببثّ الرأي واللـون الواحد فقط اعتمـاداً على نهج الفراعنة القائل:” ما أريكم إلاّ ما أرى” .
إنها خطوة يُشكر عليها المجلس الأعلى للمرأة ، أن يُعطي للإعلام هذه الأهمية في حياة المرأة وتُستحثّ على تحقيق أقصى استفادة منه ، سواء كمرسل أو مستقبِل ومستخدم في ظل تنامي الاهتمام بهذا المجال وتزايد الدخول في هذا الفضاء المفتوح والرحب الذي يموج بالمعلومات والبيانات والإحصاءات وغيرها مما يجعلنا نُصاب بالدهشة والحيرة أمام عدم نشر بيان – مجرّد بيان – في بعض وسائل إعلامنا ، أصدره عدد يقارب الـ(60) قاضياً وعالماً من علماء البحرين الأفاضل بشأن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) .
وسبب الاستغراب والاستهجان في حجب أو عدم نشر هذا البيان هو أنه بالإضافة إلى أن الإعلام الحديث لم يعد يحتمل مسألة الرأي واللون الواحد ، وباتت الحرية والتعددية والرأي الآخر هي عناوين ومقاييس للنجاح والمصداقية والموضوعية في وسائل الإعلام التي تحترم نفسها وقرائها ومشاهديها وجمهورها ، بالإضافة إلى ذلك ؛ هو أن هذا البيان لم يتضمن مساساً بالأمن القومي أو إساءة إليه حتى يُصار إلى محاولة حجبه على هذا النحو ، كما أنه صادر من قضاة وعلماء وأساتذة جامعة وخطباء منابر وأئمة مساجد يُفترض أن لهم مكانتهم العلمية والاجتماعية – وكذلك الرسمية – التي يجب أن تُحترم ويُحترم معها آراءهم ووجهة نظرهم مهما بلغ الاختلاف معها ، وأن ما أوردوه من رأي أو مخاوف تجاه هذه الاتفاقية إنما نابع من حرص على دور المرأة في المجتمع ، ومنطلقه واجبهم الديني في التوعية والبيان حول الحكم الشرعي تجاهها مما لايوجد أي مبرّر لتغييبه هكذا . ناهيك عن الهيبة الواجبة لهم ، والتي تستدعي تعظيمها وليس إهانتها أو الانتقاص منها . وقد قال تعالى عن دور هؤلاء العلماء : ” وإذ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذين أوتُوا الكتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ ولا تكْتُمونَه ” .
غني عن البيان القول بأنه لم يعد من اللائق إهانة هؤلاء القضاة والعلماء والمشايخ على هذا النحو ، والأولى هو أنه كان يُفترض نشر بيانهم باعتباره حق طبيعي لهم وباعتباره دور مناط بالإعلام ، الإعلام الذي يحترم الجمهور، ويحترم المتغيرات العالمية ويتواكب مع متطلباتها وأدوارها وتعدديتها وانفتاحها .
سانحة :
لعلّها مصادفة غير سارّة أن يتصادف الاحتفال بيوم المرأة تحت شعار ” المرأة والإعلام ” مع عدم نشربعض صحفنا ووسائل إعلامنا بيان للعلماء يخصّ المرأة أيضاً !!