كثيرة هي الاحتفالات بالمناسبات أو ما يُسمى بالأعياد أو( الأيام ) العالمية التي تتوزع موضوعاتها حتى يكاد – من كثرتها – أن تشمل جميع أيام السنة ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر هناك : يوم المرأة ويوم الطفل ويوم الشجرة ويوم النخلة ويوم مرض السكر ويوم مرض الإيدز ويوم العصا البيضاء ويوم محو الأمية ويوم المسنين ويوم السلام ويوم النظافة ويوم الإذاعة ويوم المسرح ويوم الصحافة ويوم البيئة ويوم الأرض ويوم الدفاع المدني ويوم الشرطة ويوم المعلّم ويوم العمال ويوم الجمارك ويوم المياه ويوم الصحة ويوم المرور ويوم التسامح ويوم مكافحة التدخين ويوم مكافحة المخدرات ويوم حقوق الإنسان ويوم القدّيسين ( الهالوين ) ويوم التنوع البيولوجي ويوم طبقة الأوزون و… إلخ .
وفي مثل هذه الأيام تُصاغ البيانات وتُقام فعاليات وأنشطة للاحتفاء بها وتتولى بعض الجهات المعنية تنظيم مهرجانات – ربما – كبرى وتُوزع مطبوعات ، كما أن الإعلام الرسمي والأهلي يخصص جزءاً أو أجزاءاً من صفحاته وبثّه للاحتفال بالمناسبة وتعديد إنجازات الدولة بشأن موضوع هذه المناسبة بالإضافة إلى حملات توعية وتثقيف مركزة عنها . وحتى المدارس والجامعات لايفوتها نصيبها من تلك الاحتفالات ، ويجري لهذا الغرض توجيهها من أجل تخصيص بعض الحصص أو طابور الصباح أو ماشابه ذلك . بل إنه قد يُحتفي ببعض هذه المناسبات والأعياد بصورة كبيرة ، تضفي صبغتها على مواقع ومجمعات وشوارع بأكملها حتى لو لم يكن لنا علاقة هوية وانتماء بها ، مثل عيد ( الكريسمس ) وعيد الحب ( الفلانتاين ).
غير أنه في زحمة تلك الأعياد والأيام العالمية التي يجري الاحتفال بها ؛ يسقط منها يوم هام قد يفوق في أهميته كثرة من مسميات تلك الأعياد التي لاتشكل شيئاً ذي قيمة ، أو لانحتاج للاحتفال وإصدار بيانات وتصريحات عنها . هذا اليوم هو ( اليوم العالمي للغة العربية ) الذي صادف الأول من أمس ، 18 ديسمبر من كل عام . حيث مرّ سريعاً ومنسياً من كل الجهات والوزارات والمؤسسات ، وكأنه لاقيمة له ، ولامكان يستحقه بين كل تلك الأنواع من الأيام التي تملأ ( الكلندر ) .
أنه أمر يبعث على الحزن والاستغراب ؛ ليس لكون أنه لم يجر للغة العربية احتفال ، لا ؛ وإنما لكون أن اليوم المخصص للاحتفال بها سقط من حساباتنا وأجنداتنا بينما نحن نحتفل بكل ما ( هبّ ودبّ) . بالطبع لايوجد من تفسير لذلك سوى أنه تعبير طبيعي عن مقدار الاهتمام بلغتنا العربية وعدم تمسكنا بها كلغة وطنية ، يُفترض حرصنا على الظهور بها في شتى المناسبات ونعمل بها في شتى الممارسات والمهام ، لانتكلم إلاّ بها ، ولانتعلّم إلاّ بواسطتها ، نُعلي شأنها ونتفاخر بها ، ولانرضى أن نتنازل أو يتنازعها في المقام أية لغة أخرى . وإذا حان الاحتفال بها كمناسبة عالمية أقمنا لها الأعياد ونشرنا فضلها وأظهرنا أهميتها ، ليس لأبنائنا وطلابنا فقط وإنما للعالم أجمع ، بالضبط مثلما جميع دول العالم المتقدّم – على اختلاف لغاتهم وتعددها – حريصون على لغاتهم ، ويعلون من مكانتها ولايرتضون بديلاً عنها . هكذا يُفترض لولا أن مسائل الهوية والانتماء والثقافة تراجعت وتحوّل الاهتمام إلى غيرها حتى غدا عيد اللغة العربية نسياً منسياً أو شيئاً مهملاً لايستحق حتى الإشارة إلى مروره .
سانحة
جاء في بكائيـة شـاعر النيل حافـظ إبراهيم على لغتنا العربية في قصيدته الشهيرة :