لو كنت المسؤول لرفعت فوراً ، وبدون أي تباطيء أو تردد – مايُقال عنه – قرار وقف التصرّف سواء بالبناء أو الترميم أو التوسع في بيوت وعقارات بعض مناطق المحرّق لصالح مايُسمى مشروع طريق اللؤلؤ . ولأطلقت يد أصحابها في حرية التصرّف في أملاكهم الخاصة التي يجب أن تبقى مصانة لايجري تقييدها أو إلزام أصحابها على خلاف رغبتهم ورضاهم وحاجتهم .
من المعروف أن هذه المدينة العريقة بالذات قد خرج منها طوال السنوات الماضية المئات من أهلها وودّعوها بينما قلوبهم تتفطّر حناناً وشغفاً بها ، وقد تنزل دموع بعضهم من مآقيها حينما يتذكرون دُورهَم ومنازلهم وحين تمر بذاكرتهم سواحلها و” أسيافها ” وعرشانها وحين يطرون ” دواعيسها ” وحينما يأتيهم طيف فرجانها مثـــل “الصـنقل “و” البنعــلي” و” المــرّي” و” المحمــيد ” و”عين ســــمادو” و” الصــــاغة ” و” العمــامــرة ” و” ستيشن ” و” الغاوي ” و ” العمّال” وغيرها من أسماء ربما لايذكرها أبناء الجيل الحالي .
كان في المحرق بيوتـات عــوائــل معروفــة كانت ملفى النــاس ومحــالهم ومــلاذ تجمعاتهم ونواخذتهم صارت الآن خرائب أو كالعنابر أو تحوّلت إلى مايشبه الـ ” خان ” للعمال الآسيويين ، بل أصبحت فرجان ومناطق تحمل أسماء تتناسب مع جنسيات هؤلاء الوافدين الذين ما كان لهم أن يبسطوا وجودهم في هذه المدينة العريقة لولا أنه لم يكن هنالك اهتمام كافٍ بالمحافظة على أهلها ومساعدتهم على تطوير وتعديل بيوتاتهم وعمل امتدادات لها تتسع لهم ولأسرهم ولأبنائهم وتمنعهم من التشظي عن محرّقهم .
من أراد أن يحافظ على تراث المحرق فعليه أن يبحث عن المواطن فيها ويعتني به وييسّر سبل بقائه في بيته ، هو وعائلته ، فالإنسان أغلى من الحجر ، بل هو اللؤلؤ الذي ينبغي أن تتضافر الجهود وتُنفق الأموال لاحتوائه ومنعه من أن يظعن إلى غيرها من المناطق ويتركها لتتغير ديموغرافيتها على النحو الحاصل الآن . بل لا نبالغ إن قلنا أن الدولة أصلاً مطلوب منها جهوداً مضاعفة لتنفيذ مشروع حضاري كبير يعيد المحرقيين – وليس إبقاء الموجودين فقط – إلى مدينتهم وفرجانهم خاصة في ظل تنامي الكلام عن سكان أصليين وغير أصليين في إطار أجندات إنما هي تمسّ الهويّة والانتماء.
تحت مبرر إنشاء مشروع تراثي هو (طريق اللؤلؤ) لاتستطيع البلدية الترخيص للمواطنين في أن يرمموا أو يعدّلوا أو يتوسعوا أو يضيفوا في بيوتهم ببعض المناطق المحرقية مثل مجمع (209) إلاّ بموافقة وزارة الثقافة التي تمنع كل ذلك وتريد إلزامهم بشروط وضوابط ومستوى بناء معين ، وخلاف ذلك لايمكنهم البناء ! المشكلة لاتقف عند هذا الحد وإنما بسبب هذا القرار فقد انخفضت أسعار العقارات في هذه المناطق وأصبحت لاتقارن بمثيلاتها وجيرانها حتى إذا ما استدعى أمر تنفيذ (طريق اللؤلؤ) الاستملاك ؛ سيجري تعويض أصحابها بأبخس الأثمان . وبالتالي تكون الأضرار مضاعفة ، فلاهم يستطيعون تطويرها وترميمها وفق حاجتهم ورؤيتهم ، ولايستطيعون بيعها لنزول سعرها وخسارتهم فيها ، ولايحصلوا على التعويض المجزي لأن سعرها السوقي ( نازل ) ..
سانحة :
يتساءل الأهالي عن دور المجالس البلدية في موضوع هو في صلب اختصاصهم ؟ وما دخل وزارة الثقافة في مثل هذا الشأن البلدي الخالص ؟ ويتمنون على وزارة الثقافة أو غيرها أن تستعين في موضوعاتها التي تخص التاريخ والتراث بكفاءاتها وخبراتها البحرينية بدلاً من الاستعانة بخبرات من جنسيات عربية معينة ليست أفضل أو ( أبخص ) من البحرينيين في هذا المجال المحلي ..