ربما هناك موقف معين تجاه التغييرات الأخيرة التي حصلت في جمهورية مصر العربية الشقيقة ، وقد يكون هذا الموقف مؤيد لأصحاب هذا التغيير من ساسة وعسكر ومفكرين وإعلاميين ، وربما بسبب هذا الموقف أصبح الكلام أو الكتابة في هذا الشأن بلون واحد فقط يصعب تجاوزه حتى لو كان باسم الحرية أو القبول بالرأي الآخر أو التعددية أو ما شابهها من القيم والمباديء المتعارف عليها في العالم.
غير أن تقديم التأييد والدعم شيء والصمت على تشويه حقائق تتعلق بوطننا العزيز شيء آخر ، ولايمكن استساغته وقبوله تحت أي مبرر فضلاً عن أن الرد على هذا التشويه ليس بالضرورة أن يُربط بهذا التأييد أو يجري الانتقاص منه ، فذاك شأن وهذا شأن آخر .
مناسبة هذا الحديث هو أنه قبل بضعة أيام خرج علينا الكاتب والسياسي المعروف محمد حسنين هيكل ليعلن في حوار على شاشة قناة “سي بي سي” مع الإعلامية لميس حديدي ” أن احتفاظ إيران بالجزر الإماراتية الثلاث (أبوموسى، طنب الصغرى وطنب الكبرى) جاء مقابل أن تبقى البحرين عربية تحت حكم سني رغم وجود أغلبية شيعية نسبتها (70%) ، طبقاً لمعادلة التوازن في المنطقة خلال الفترة التي سبقت الاستقلال” ولم يكتفِ بذلك وإنما أضاف ” أنا كنت متفاوضاً بشأنها – البحرين – مع السير جيمس لوس في عهد عبدالناصر، وكان استقلال الخليج آت، ونحن وافقنا بشكل ما على أن تبقى البحرين عربية ، رغم أن فيها أغلبية شيعية، على أن بقية الجزر الإماراتية يستمر فيها البحث” وأشار إلى أن الدول العربية ظلت ساكتة عن الجزر الإماراتية طيلة فترة حكم الشاه .
هذا اللقاء طارت به (الركبان) التي تعرفونها ، ممن تبحث عن دلائل وقرائن تحتج بها في معركتها عن هوية البحرين وأصول أهلها ومذهبها فتناقلتها صحفهم وقنواتهم الفضائية وسائر وسائل إعلامهم من دون أن يكلف أحد من عندنا نفسه – من مؤسساتنا وجهاتنا الرسمية – للرد عليه وتفنيد أقواله وبيان عدم صحة هذه المقايضة فضلاً عن عوار هذه النسبة خاصة وأنه يتكلم عن فترة تقارب الأربعة أو الخمسة عقود لا يمكن أن تكون النسبة التي ذكرها – (70%) – صحيحة .
حينما تكلم محمد حسنين هيكل قبل حوالي سنتين ، إبان الأحداث المؤسفة ، في عام 2011م في برنامج ذكرياته على قناة الجزيرة ووصف المعارضة في البحرين بأنهم دعاة حرية وتغيير وقال أنهم ظُلموا ، لم يُأبه له ، ولم يُرد عليه ، ربما تم اعتبار ذلك من قبيل حرية الرأي وربما كان البعض لايهتم بمتابعة هذه الذكريات لأن هيكل اعتاد في سردها أن يتكلم عن أحداث وحكايات أبطالها وأطرافها الأخرى غير موجودين ، في عداد الأموات وربما وربما .. إلخ . غير أن محمد حسنين هيكل الآن يختلف وضعه ، فهو أحد مهندسي وعرّابي التغييرات التي حصلت في مصر الشقيقة ، وبات لكلماته وتصريحاته مدلولات ومكانة لاتحتمل الصمت أو التغاضي عنها كما السابق ، أو جعل أنفسنا كأننا لم نسمعها في حين استلمها آخرون وفرحوا بها وصارت ضمن مواضع استدلالاتهم واستشهاداتهم في مواقعهم وأدبياتهم .
إن الأحداث والتطورات الجارية من حولنا هي مفصل هام ، لايتعلق – كما قد يتصوّر البعض – بمجرّد تغييرات سياسية فحسب وإنما صار هذا المفصل يتعلق بصراع هوية وانتماء لازلنا نصرّ بمحض إرادتنا على تغييب الاهتمام اللازم بها وترك الباب على عواهنه لمن يمسّ أو يسيء أو يشوّه هويتنا وانتمائنا . ولذلك يجب الرد على هيكل وعدم السكوت على هذه ( الفرية ) الغريبة وتوضيح حقيقتها ووضعها على حروفها الصحيحة منعاً لاستغلالها والتجارة بها على حساب تاريخ عروبة البحرين وهويتها وانتمائها .
سانحة :
يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وعرّاب المؤامرات الأمريكية في مذكراته ” من يريد السيطرة على الأمة العربية والإسلامية عليه أن يدمر إرادة الأمة العراقية فهي الحلقة الرئيسة فيها”. فاللهم احفظ أهلنا في العراق .