ربما بسبب طبع غالب أو دوافع غريزية اعتدنا أن نتعالى على أسباب النقص والتقصير ونترفع عن القبول بالخطأ ونرفض وصفنا بالفشل ونأنس بالمديح ونطلب الإطراء ، ونبذل جلّ الوسع والجهد في تبرير الاتهام والدفاع عن الإخفاقات مهما كان صحتها ، ومهما برز وضوحها أو حتى فداحتها ، ونصرّ على التمادي فيها ( يركب راسه ) .
وتبعاً لذلك تلاشت قيمة الاعتراف والاعتذار أمام تنامي عقدة (الأنا) وتزايد اعتناق فكرة الرجل الذي لايخطيء وانتشار مايشبه ( العصمة ) من الزلل والخطل بحيث أصبح هو السلوك السائد ، وذلك بالرغم من كثرة تردادنا أن الاعتراف بالخطأ فضيلة !
الصحيح إن الاعتذار إنما هو سلوك حضاري لايٌقدِم عليه إلاّ أصحاب شجاعة وجرأة ، ودليل رقي وأدب جمّ ، ولايحسن استخدامه إلا من يملكون ثقة عالية بأنفسهم تمنع عنهم الشعور – حين الاعتذار – بالإهانة أو الانتقاص أو النيل من الكبرياء والكفاءة أو ماشابه ذلك من عقد نفسية ترعرعت وترسخت ثم انتقلت من على صعيد الممارسات الشخصية لتصبح ممارسة مؤسسات ووزارات وهيئات تُبعد عن مسؤوليها وأعمالها أي اتهامات بالضعف أو العجز أو الخطأ أو الفشل أو غير ذلك من ملاحظات ألزمت إدارات العلاقات العامة والإعلام نفسها بتفنيدها والرد عليها وتبرئة ساحة وزيرها ومسؤوليها وسائر فعالياتها وأنشطتها من أي قصور وتقصير ( لاسمح الله ) وبات الاهتمام بالأضواء وتلميع الصورة والتطبيل هدفاً وغاية تتضاءل لصالحها جلّ الاهتمام والإنجازات الأخرى ، فلا تسمع إلاّ الإشادات والمدح و( كل شيء تمام في تمام) .
واعتماداً على ذلك فإنه أصبح من اللازم أن نشدّ هنا على يد معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة ونشكره حينما خرج في منتصف هذا الأسبوع على النهج السائد عندما خاطبه أحد الأشخاص في العالم الافتراضي ( التويتر) بشأن توقف سفارة البحرين في الصين لأكثر من أسبوع عن إصدار التأشيرات معللة بعدم وجود طوابع لديها ، حيث ردّ عليه معالي الوزير مباشرة ، معترفاً بالتقصير ومعتذراً ، وكان ردّه كالتالي : “أخي العزيز اسمح لنا لكن السفارة في بكين لم تتبع الإجراء الصحيح حين طلبت احتياجها من الطوابع. طلبت بعد نفادها وهذا خطأ” . وأضاف “أيضاً الوزارة لم تتعامل مع الموضوع بسرعة ، وكان في إمكانهم يرسلون حقيبة استثنائية فيها الطوابع، حقك علينا والتقصير واضح”.
مثل هذه الردود لاتنقص من قدر المسؤول ولا من وزارته ، اعتراف واعتذار ووعد بالتعديل يرفع من شأن الوزير ووزارته . كل الأمنيات أن يحذوا الجميع نحو تخفيف صفات ( العصمة ) ويتحلوا بثقافة الاعتذار ، هي ليست منغصة بقدر ماهي ترفع من شأن أصحابها .
سانحة :
يُقال ” يُرمي الحجر في البئر ثم ينتظر ليسمع صوت ارتطامه بالماء،
من يشتمك ينتظر ردك، دعه يدرك أن البئر أعمق مما يظن “