راصد

دماج .. مدينة القرآن والحديث

هناك في الجزء الجنوبي من شبه جزيرة العرب يقع بلد من أعز أوطان العروبة والإسلام، له فضل وسابقة في تاريخنا المجيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها: «أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرقّ أفئدةً، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية والفقه يمان» وفي الحديث الشريف أيضا عن جُبير بن مطعم عن أبيه قال: بينما كنا نسير مع رسول الله بطريق مكة إذ قال: (يطلع عليكم الآن أهل اليمن كأنهم السحاب هم خيار مَن في الأرض) هي أحد أهم الدروع والحصون حتى سموها البوابة الجنوبية.
وبالرغم من أهميتها وفضل أهلها ومكانتهم تم تركها نهشا للفقر والعوز، وجرى التخلي عنها في أوج حاجتها إلينا، فصار الذئاب يفترسونها وينهكونها ويسعون لابتلاعها ومحو تاريخها وهويتها من دون أن يكون للمتفرجين على ذبحها أي دور للذب عنها وحمايتها، حماية عراقة وتاريخ، ودفاع عن دين وثقافة، وحماية أرض أثيرة وغالية وشعب مكانته في مهج القلوب ومقل العيون.
في اليمن السعيد التي هي من أجمل بلاد الأرض وإحدى جناته تقع مدن ومناطق حفرت أسماؤها في التاريخ، فصارت معالم ومدارس يؤمها الناس من مختلف أصقاع الدنيا، ومنها منطقة «دماج» التي اشتهرت منذ القدم بأنها مركز أهل الحديث حتى صارت محط أنظار طلبة العلم الذين وفدوا إليها وصار أكثر من نصف سكانها من حفظة القرآن الكريم وأمهات كتب الحديث والعقيدة، وأصبحوا من مراجع العلوم الشرعية لهذه الأمة، واقترن اسم دماج بالعلم الشرعي وحماته وحفظته، لكنها، ومنذ مائة يوم طلع اسم دماج في قاموس الذل والهوان الذي نتجرع من مرارة كأسه حيث جرى حصارها من قبل الحوثيين ومنع الأكل والدواء عن أهلها مدة قاربت المائة يوم على مرأى ومسمع من العالم ومن الدول الإسلامية التي بات شعارها (نفسي نفسي) واشتغلت عن الفزعة لهؤلاء الذين هم إخواننا من كريم قبائل العرب، مع أن الأيام دول، وعدم النصرة الآن عاقبته وبال وربما طوفان سيغرق الصامتين والمنهزمين والمتقاعسين والمعرضين عن نصرة إخوانهم من أهل دماج الذين عرضت الفضائيات صورا وتسجيلات تدمي القلوب والعيون لأقسى عملية تهجير لهم بعد حصار المائة يوم.
يقول إخواننا أهل دماج إنهم تم تخييرهم بين الموت أو التهجير، أكثر من اثني عشر ألف من خيار الناس أخرجوا من دماج العلم والقرآن والحديث في واحدة من مآسي أحوال المسلمين في عصرنا الأنكد الذي تكالب الجميع عليهم من دون أن يرف لهم جفن أو يحرك فيهم ساكنا.
سانحة:
ومن شعر الاستغاثة والاستنجاد، ما أجمل قصيدة ابن الابَّار التي يستنجد فيها بسلطان تونس (أبي زكريا بن أبي حفص) قبل سقوط الأندلس حيث يقول فيها:
أدرك بـخـيلك خـيـل الله أنـدلسا إن الـسـبيل إلى مـنجاتها درسا
وهبْ لها من عزيز النصر ما التمست فـلم يـزل مـنك عز النصر مُلتمسا
يـا للجزيرة أضـحى أهـلها جـرزاً لـلحادثات، وأمـسى جَـدُّها تَـعِسا
وفـي بـلـنسية مـنها وقـرطبةً مـا ينسف النفس أو ما ينزف النفسا
مـدائـنٌ حـلها الأشـرك مـبتسماً جـذلان وارتـحل الإيـمان مـبتئسا
وصـيرتها الـعوادي الـعابثات بها يستوحش الطرف منها ضعف ما أنِسا
يـا لـلمساجد عــادت لـلعدا بِـيعاً ولـلـنداء غــدا أثـنائها جـَرَسا
لـهفي عـليها إلى استرجاع فائتها مـدارساً لـلمثاني أصـبحت دُرُسـا

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s