فيما مضى من الزمان, زمن البساطة والصفاء, زمن الترابط والتكافل؛ يحكي آباؤنا وأمهاتنا عن العطايا والمساعدات والصدقات التي يقدمها المحسنون وأهل الخير وأصحاب الأيادي البيضاء إلى الفقراء والمحتاجين فيؤكدون أنها كانت تتم بصورة لا تنتهك تعففهم ولا تجرح أو تمتهن كرامة هؤلاء المعوزين ولا تفضح سترهم, وغالباً ما تجرى في الخفاء من دون إعلان أو أضواء. بل الأغرب أن جزءاً كبيراً من تلك المعونات والمساعدات لا يكشف أصحابها حتى عن شخصيتهم ولا يعلنون عطيّتهم, كانوا يتنافسون في تفريج كرب المحتاجين ورفع عوزهم, لكنهم يجعلون ذلك سرّاً بينهم وبين خالقهم, لا يطّلع عليه أو يعرف بجميل إحسانهم غير المولى عز وجل. يُقال إنه كان أحدهم يطرق باب الفقير أو المحتاج ويضع أمام الباب (يونية عيش) أو (قلّة تمر) أو (خيشة شِكَر) أو ما سواها من (الماشلة) أو بعض النقود ثم يختفي بسرعة عن الأنظار قبل أن يفتح صاحب البيت بابه فيجد هذه المساعدات من دون أن يُرى أي أثر لصاحبها الذي آثر أن تكون مثل هذه المساعدات للّه, ولله فقط.
واستمرّ الحال على ذلك زماناً وعقوداً, كانت الأسر المحتاجة تتعفف عن طلب المساعدة رغم حاجتها الماسّة, وكان أهل الخير والإحسان يبحثون ويتحرّون عن حاجات الناس من دون طلب, ومن دون سؤال, وبالتبعية تكون من غير (منّة) ومن غير (مذلّة), ومن غير دعاية وتصوير بالقرب من المساعدات والعطايا وإقامة ما يشبه المهرجانات والاحتفالات عن تلك المعونات والعطايا في مختلف وسائل الإعلام, كالذي يحدث الآن ويتزايد مع كل مناسبة عطاء, مما لا نجد له تفسيرا أو مبررا فضلاً عن أنه يفقد صور التكافل والتراحم جزءا مهماً من معانيها النبيلة, وقد ينزع منها الأجر والثواب, ويكسر (خواطر) وكرامة هؤلاء المحتاجين الذين دفعتهم (العازة) الى طلب العون والمساعدة, لكنهم لم يطلبوا أو يتوقعوا أن هذه المساعدات باتت تُقدّم لهم أمام (الكاميرات) والأضواء الكاشفة, وبحضور الصحف ووسائل الإعلام وأحياناً تُنقل – لايف – على الهواء مباشرة!!
سانحة:
قال صلى الله عليه وسلّم: «من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل».