بينما كانت آلة الذبح والفتك تشتغل في بقاع عدة وعزيزة من ديار الإسلام والمسلمين ، يُقطعون فيها – كما النعاج والدجاج – بالسيوف والسكاكين أو يُقتّلون بالرصاص أو تُصبّ عليهم براميل الموت أو يُحرقون وهم أحياء أو تُدكّ عليهم مدنهم وقراهم بالصواريخ والقذائف وتكون أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم ومنازلهم هدفاً مستباحاً للاغتصاب والانتهاك والقتل ، لافرق بين كبيرهم وصغيرهمولابين شيخهم ومريضهم ، ولابين رجالهم ونســـائهم .
وبينما كانت صور المجازر والمحارق التي تُنصب للمسلمين في سوريا وبورما وأفريقيا الوسطى وما شابهها من بلداننا التي رخُصت فيها الدماء والأرواح بصورة غير مسبوقة ، ولم تحدث على مدار تاريخها ، حتى أيام التتار والمغول بحيث أن الإحصائيات تذكر أعداد من أزهقت أرواحهم وتعدّهم بعشرات الآلاف فلا تحرّك تلك الأعداد ساكناً أو أنها صارت بالنسبة لنا من مألوفات الأخبار التي تطرق الأسماع فلا تدقّها أو تنتبه إلى فداحتها أو ترقّ لها القلوب أو تدمع العيون .
وبينما أن المأساة لاتقف عند هذه الحدود ، وإنما المأساة الحقيقية في هذا الصمت المخزي في أوساط الأنظمة العربية والإسلامية عن مثل هذا القتل الذي يفوق الخيال ، ولاتتحمّل قساوته وفظاعته حتى الجبال ، تلك الأنظمة التي كانت في سابق الزمان ( التاريخ الناصع البياض ) تسيّر جيوشها لأجل امرأة واحدة فقط تم الاعتداء عليها فصرخت تستنجد وتستغيث لنصرتها بنخوة رجال وشهامة وعزّة لم يعد لها الآن وجود أو أثر عند حكامنا وقادتنا الذين آثروا المحافظة على كراسيهم ومناصبهم ورفعوا شعار ( نفسي نفسي ) وركنوا وراء ظهورهم معاني وقيم النصرة والتكافل والدفاع عن أرواح المسلمين وأعراضهم والذود عن حياضهم ومقدساتهم . بل والأسوأ أنه بالرغم من أن القتل ومآسي التهجير والتشريد بلا حساب في ديار العروبة والإسلام ؛ فإن قادتهم ومسؤوليهم يخرجون علينا بين حين وآخر بعناوين ومواثيق يدعون إلى التسامح والتعايش ونبذ العنف والإرهاب من دون أن يأبهوا إلى مختلف صنوف القتل والتدمير والإبادة التي يقوم بها الآخرون ضدنا وجعلوا من بلداننا مسارح من الدماء والإشلاء ، ومع ذلك نبقى نحن الإرهابيين !!
وبينما تلك المشاهد والصور المروّعة منشورة ، ويجري بثها على الهواء مباشرة ، دون مواراة ، لايحرّك العالم – بدوله ومنظمات – كلّه أي ساكناً تجاهها ، أو يتدخل لوقفها أو منعها .
بينما الأمر كذلك ؛ وفجأة ؛ ينتفض هذا العالم من أجل أوكرانيا ، مجلس الأمن يتحرّك ، والبرلمان الأوروبي يطالب ، والبيت الأبيض يعلن طواريء ، ومحكمة الجنايات الدولية تستنفر ، ومنظمات ومؤسسات حقوق الإنسان تستنكر وتندد ، وبان كي مون أمين عام الأمم المتحدة يفزع ويرسل مبعوثه ، وتتحرك الأضواء والعدسات وكل شيء إلى أوكرانيا ، والسبب مظاهرات وانقلاب راح ضحيته (80) شخصاً ، فقط من أجل (80) شخصاً !! بالرغم من أن مثل هذا الرقم بات شبه مألوف أن نسمع مثله يومياً – أقل أو أكثر – من القتلى في البلدان المعروفة برخص الإنسان فيها ، التي هي ديار العروبة والإسلام …
سانحة :
قيل للفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ألاتكسو الكعبة بالحرير؟! فقال : ” بطون المسلمين أولى ” .