دائما مانقف حيارى و( مشدوهين ) ومأسورين أمام قصص (مثالية) تحدث في غير بلداننا العربية والإسلامية وأصبحت بمثابة الأدب الراقي الذي لانتجمّل به أو ( الصنعة ) التي لانتقنها أو نُحسن القيام بها ، وبالتالي لانملك عند قراءتها أو السماع بها سوى أن نندب حظوظنا ونشكو حالنا وعدم حصولها في أوطاننا وكأننا جزء آخر من العالم لاعلاقة لنا بما يحدث من صناعات و( آداب ) جمّة يُفترض أن ديننا وقيمنا وأعرافنا تلزمنا أن نكون السبّاقين فيها أو على الأقل أن تكون ممارسة وصناعة دولية لايُستثنى منها أحد .
الصناعة التي أقصدها هنا هي ( صناعة الاستقالات ) التي أصبحت في تلك الديار تصرفاً أخلاقياً وسلوكاً حضارياً والتزاماً أدبياً مقبولاً يلجأون إليه في أحوال كثيرة للإخفاق والفشل وسوء النتائج ، ولايمكن لأصحاب الوظائف العامة البقاء في مناصبهم عند شعورهم بأنه ثمة من يتهمهم بالتقصير أو بتجاوز الأنظمة واللوائح ، مهما صغُرت تلك التجاوزات ، وذلك يحدث بصورة تجعل تناقلها في أوطاننا العربية والإسلامية أشبه مايكون بالنوادر والغرائب بينما هي هناك أمور مألوفة ومسائل معتادة .. اللهم لاحسد .
قبل بضعة أشهر قدّمت وزيرة في الحكومة السويدية ، وهي السيدة منى سالين استقالتها بعد أن أدانها القانون السويدي باستغلالها للبطاقة الذكية (الحكومية ) عندما ملئت خزان وقود سيارتها ودفعت القيمة من هذه البطاقة لأنها كانت قد نسيت بطاقتها الخاصة بها في بيتها ! استقالت من منصبها رغم أنها قد أعادت المبلغ في اليوم التالي مباشرة إلاّ أن القانون هناك اعتبر تصرّفها استغلالاً للمال العام . ولم تجد حينذاك بدّاً من الاستقالة ، تحملاً لمسؤولية خطئها وحفظاً لكرامتها ونزاهتها !
وفي شهر فبراير من العام الحالي 2014م – قبل حوالي شهرين – قدّم السيد مارك هاربر وزير الهجرة البريطاني استقالته عندما اكتشف أن خادمته هي مهاجرة ووضعيتها غير قانونية ، وأنها قد قدمت له وثائق قانونية مزوّرة عندما قام بتشغيلها ، وكتب في نص رسالة استقالته ” رغم أنني كنت طيلة الوقت متماشيا مع القوانين ، لكنني اعتبر ، بصفتي وزيرا للهجرة يقدم مشروع قانون للبرلمان لتشديد إجراءات الهجرة ، أنه علي التحلي بمستوى من اليقظة أعلى من الآخرين ، لهذا قررت أنه من الأنسب لي الانسحاب ” يعني وزير قدم استقالته بعد أن اكتشف أن الوضع القانوني للخادمة في منزله غير قانوني ! يعني كانت ( فري فيزا) .تصوروا .
لم يمض شهرين على استقالة وزير الهجرة البريطاني حتى تناقلت الأنباء يوم أمس خبر استقالة السيدة ماريا ميلر وزيرة الثقافة البريطانية بعد صدور تقرير فيه معلومات عن احتمال هدر وبذخ أو سوء تصرف في المال العام وطالبتها لجنة من النواب بأن تسدّد ميلر (5800) جنيه استرليني فقط تتعلق بالإنفاق الخاص على منزل تملكه في جنوب لندن يقيم فيه والدها ووالدته . وقالت في رسالة استقالتها : “إن الخلاف الذي احتدّ خلال الأسبوع الماضي أصبح يصرف النظر عن العمل الحيوي الذي تقوم به الحكومة”.
سانحة :
ولايبق لنا إلاّ أن نكثر من قراءة وتأمل مثل هذه الحالات ، وزير يستقيل لأنه نسى ذات مرّة بطاقته الخاصة واضطر لأن ( يصبّ ) بترول في سيارته من البطاقة الحكومية ، ووزير آخر يستقيل لأنه اكتشف أن خادمته ( فري فيزا) ووزير آخر يستقيل بعد اتهام له بإساءة استخدام المال العام ومطالبته باسترجاع مبلغ (5800) جنيه استرليني قيل أنه دفعها في نفقات تخص منزل يسكنه والديه . لعلّ الله يخرج من أصلابنا بطلاً أو أبطالاً يتمكنون من كسر الاحتكار الغربي لصناعة الاستقالات المشرّفة ويجعلوا منها في بلداننا سلوكاً متبعاً وتصرفاً حضارياً ، يُعلي من شأن مجتمعاتنا ويُعطي للمحافظة على المال العام قيمة ، ويمنح حماية اللوائح والأنظمة وتطبيق القوانين هيبة .