قلنا وسنكرر إن بعض الملفات العالقة مما تمسّ حياة المواطنين وتحتلّ مراتب متقدّمة في سويّة معيشتهم لاتحتاج إلى معالجات على طريقة العلاقات العامة أو إصدار تقارير إعلامية وتصريحات صحفية صارت – مع الوقت وكثرة تكرارها مملّة – وفاقدة للنبض والحيوية خاصة إذا تكلّمت عن خطط واستراتيجيات ليس لها الانعكاس والأثر الذي يتناسب مع حجم الكلام عنها ، ولا يتواءم مع طموحات وأمنيات الناس ، ولاتسدّ لهم من أزماتهم شيئاً يخفف من وطأة الحاجة والعوز .
وإن ترك بعض المشكلات تكبر دون أن يوضع لها حل جذري ستصبح مع تراكمها وتفاقمها كالغول الذي يصعب السيطرة عليه فيما بعد خاصة إذا تعلّق بشأن معيشي لايمكن أن يستطيع أحد الاستغناء عنه باعتباره من الحاجات الضرورية لحياة المواطن مع أهله وأبنائه ؛ مثل السكن الذي تتضخم قوائم الانتظار وتستحوذ مشكلاته على غالب شكاوى المواطنين في وسائل الإعلام من دون أن يُرى لها انفراجة حقيقية وملموسة في واقع الناس.
بين يدي شكوى أو هي جرح مؤلم يحمل في طياته حيرة وغرابة ، قصة وألم هذا الجرح لاتتعلق بهذا المواطن فقط وإنما تمسّ شريحة كبيرة ممن بنوا أحلامهم في بيت العمر – على بساطته وصغر حجمه – وتقدّموا بطلباتهم الإسكانية بمجرّد زواجهم ، على اعتبار معرفتهم السابقة أن مسألة حصولهم على هذا البيت إنما تستغرق سنين طويلة ، قد ينجبون خلالها الأبناء ، ثم هؤلاء الأبناء يكملوا دراستهم ومازال اسم والدهم في قوائم الانتظار.
صاحب الشكوى مواطن بعد أن وفقه الله للزواج تقدم بطلب إسكاني في عام 2008 م ،أي قبل حوالي ست سنوات حيث كان مستوفياً لجميع الشروط المطلوبة ، وكان راتبه الشهري (350) ديناراً .
بعد الجهد والمثابرة ترقى – كأي إنسان يطمح إلى تعديل وضعه وتحسين سويّة معيشته – في وظيفته ليصبح راتبه (493) ديناراً ، وفي الوقت ذاته استكملت زوجته دراستها الجامعية وتتمكن من الحصول على عمل ، أيضاً كأي إنسان من حقّه العمل ، وكذلك كأي زوجة تستطيع بقدراتها ومؤهلاتها مساعدة زوجها من أجل الصمود تجاه مصاعب الحياة ومتطلباتها المعيشية التي يعرف الجميع أن راتباً هذا قدره لا يكفي أحداً حتى لعشرة أيام بالكثير !!
غير أن ترقية صاحبنا وحصول زوجته على عمل براتب مقارب لزوجته تحوّل من نعمة إلى نقمة ومن فأل خير إلى طالع شر ووبال عليهما حيث اكتشفا أن هنالك قراراً يحمل رقم (83) لسنة 2006 في شأن نظام الإسكان يمنع عليهما في مضمونه ونتائجه أن يزيد مجموع راتبهما عن (900) دينار ، وأن الأفضل لهما إن أرادا وحدتهما السكنية اتباع أحد الخيارات التالية : أولاً : أن يبقى صاحبنا على راتبه (493) ديناراً فقط بدون أن تعمل زوجته ، وفي هذه الحالة عليه ألا يفكر في جهد ومثابرة تجعله يتجاوز راتبه (900) دينار . ثانياً: بالعكس أن تعمل زوجته ويبقى هو عاطلاً . وثالث الخيارات أن يعمل الزوجان اللذان يشكلان الأسرة الأساسية – بحسب تعريف القرار لها – بحد أدنى من راتبيهما لايسمحان بمجاوزة مجموعه (900) دينار بأي حال من الأحوال ، حتى بدينار واحد أو اثنين .
وأترك للقراء الكرام التعرف على مقدار التعسف أو لنقل الإحباط الذي يُصاب به أمثال صاحبنا ممن يريدون بناء حياتهم وضمان مستقبل وسكن لأبنائهم فيُصدمون بمن يمنع عنهم الاستفادة من علاوة الإسكان ويعلّق أو يوقف طلبهم الإسكاني بعد مرور ست سنوات على تقديمه ، لالشيء سوى أن راتبه تجاوز (900) دينار !! وذلك على أساس أن من كان راتبه أكثر من (900) دينار يستطيع الاعتماد على نفسه وشراء بيت . وبالطبع جميع البحرينيين يعرفون أن مثل هذا الكلام هو من قبيل التندّر و( النكات البايخة ) .
سانحة :
على مايبدو أن الجميع قد اقتنع أن ذاك القرار قد جانبه الصواب وأصبح تطبيقه فيه نوع من الظلم وكذلك شيئاً من ( الفكاهة ) الحزينة ! وقد تردد منذ سنتين أو ثلاث سنوات أنه سوف يجري فصل الراتبين عن بعضهما البعض ، تصوروا سنتين أو ثلاث سنوات ومع ذلك لم يُفصلا !!