راصد

باكستان تكسر العرف ( غير المكتوب )

جرت العادة أو استقرّ في أذهان عموم الناس في بلداننا العربية والإسلامية أن المواطنة قسمان : الأول : مواطنون عاديون يكدحون ويتكسبون من عرق جبينهم ، يستفيدون من المرافق في بلدانهم من تعليم أو صحة أو ما شابه ، يدفعون مختلف أنواع الرسوم ويلتزمون بأن تُطبق عليهم القوانين واللوائح والمخالفات وغير ذلك من أساسيات هذه المواطنة العادية . وأما النوع الثاني : فهم المواطنون فوق العادة ، ولهم تسميات كثيرة مثل ( كباريّة ) و متنفذون و( مواطن سوبر ) و… إلخ . من مميزاتهم أن تعليمهم وعلاجهم وسياحتهم في الخارج وكذلك فإن القوانين واللوائح والرسوم ؛ ربما لايقعون تحت طائلتها أو أنها غير مسؤولة عنهم ، وقد لاتعرفهم .

التقسيم السابق غير معلن ، وليس رسمياً ، لكنه أصبح كما العرف غير المكتوب في عموم بلداننا ، قد يتفاوت وضوحه من بلد لآخر إلاّ أنه موجود بصورة أو بأخرى . وليس من سبيل للتعرف عليه أفضل من مراقبة تطبيق القانون ومدى سيادته على الجميع وخضوعهم لإجراءاته وأحكامه.

ولذلك فإن القسم الأول الذين هم المواطنون العاديون هم أول من يجأر بالشكوى تجاه قضايا معيشية يشعر أنها تمسّ سويّة حياتهم ، مثل ارتفاع الأسعار ، سواء في السلع أو الخدمات ، بينما القسم الثاني ( المواطن سوبر ) يبقى صامتاً لأنه قد لايحسّ بارتفاعها أصلاً ، وربما لايدفع قيمة تلك الخدمات حيث أن السلطات والجهات المسؤولة إن أرادت تحصيل رسومها عن تلك الخدمات فإن مجالها للتحصيل لايتعدّى – في الأغلب – أولئك المواطنون العاديون بينما ينعم المواطنون فوق العادة بالإعفاءات والاستثناءات وعدم الملاحقات والمضايقات.

ولذلك فإن ماحصل في جمهورية باكستان بالأسبوع الماضي قد سلب الأنظار وصار في بؤرة اهتمام جزء كبيرا من الإعلام ووسائل التواصل المختلفة وتصدّر أحاديث الناس لالشيء سوى أنه كسر هذا العرف والتقسيم ( غير المكتوب ) للمواطنة في عموم البلدان العربية والإسلامية.

في باكستان ؛ أعلنت السلطات أنها تواجه أزمة حادة في الطاقة ، وأوضحت أن هنالك متهربين من سداد فواتير الكهرباء ، تُقدّر قيمتها بالمليارات من الروبيات ( العملة الباكستانية ) ، وطلبت هذه السلطات من الشركة المسؤولة عن الطاقة ” “سوى نوررزن جاز بايبلاين ليمتد” وضع خطة لتحصيل الفواتير المستحقة التي لم يدفعها أصحابها ، ووجهت هذه السلطات نحو ممارسة الصرامة والحزم في ذلك وعدم التهاون في عملية التحصيل .

غير أن هذه الشركة – وهنا مصدر الغرابة أو الاهتمام – لم تبدأ في قطع الكهرباء عن المتخلفين في السداد من الفقراء والبسطاء حسب المتوقع والمعتاد ، وإنما بدأت خطتها أول مابدأت بعلية القوم ، حيث قطعت الكهرباء عن مقر الاقامة الرسمى لرئيس الوزراء ومقر الامانة العامة للبرلمان ومكاتب النواب ومحكمة اتحادية ومجموعة من المبانى الحكومية بسبب عدم دفعهم فواتير تُقدّر بأكثر من (20) مليون روبيه . وهم بذلك – في باكستان – قد ضربوا مثالاً رائعاً في أن النظام والقانون يجب أن يستوي في تطبيقه الجميع ، وأنه لايوجد أمام مسطرته قسم لمواطنين عاديين وقسم آخر لمواطنين آخرين ، فوق العادة وفوق القانون ..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s