لا يختلف أحد على أن الطموحات والآمال المعقودة لدى الشعوب الخليجية على منظومة دول مجلس التعاون كبيرة جداً وأن توقعاتهم لحركة ماكينة التكامل والاتحاد بين دول هذه المنظومة كان يجب أن تسير بأسرع مما هي عليه الآن . وأن حالة البطء أو التأخر أو ما شابه ذلك من مظاهر أو أمنيات يرددها الناس عن رغباتهم وتطلعاتهم لما يجب أن يكون عليه مجلس التعاون ؛ إنما تعبر في حقيقتها عن حرص وإخلاص هذه الشعوب وخوفها من المخاطر والأطماع الجمّة التي تحيط بهذا الإقليم وتكاد تعصف باستقراره وتستولي على مقدّراته ومكتسباته التي يحصرها البعض – للأسف الشديد – في مجرّد ثروات اقتصادية ومادية بينما هنالك ماهو أهم من ذلك ويتعلق بموروث ديني وتاريخي واجتماعي وقومي له علاقة بهوية وانتماء هذه الشعوب ينبغي المحافظة عليه ضد أي مساس أو اعتداء . فذلك هو الخطر الحقيقي الواجب التنادي لأجله في مثل هذا المفصل التاريخي الهام . ومهما بلغ حجم الانتقاد الشعبي لآلية الإنجاز في مجلس التعاون الخليجي فإن ذلك لايعبر بالضرورة عن استياء بقدر ماهو تعبير عن حالة صحية تفرضها الظروف الراهنة وتحتمها النظرة المستقبلية لهذا الكيان الذي يجري هذه الأيام الاحتفال بمناسبة الذكرى الـ(33) لتأسيسه في قمة أبوظبي الخير عام 1981م . على أنه بالرغم من كل مايُقال عن تواضع إنجاز أو تأخر اتحاد أو ماشابه ذلك فإن هناك مكتسب حقيقي وكبير لمجلس التعاون يجب عدم إغفاله أو الاستهانة به ، ويتمثل في صموده واستمراريته كل هذه السنوات ، (33) عاماً ، أي ما يقارب ثلث قرن دون أن ينفرط عقده أو تتآكل قاعدته بالرغم من الهزات والمشكلات ، بل والحروب التي شبّت في أطرافه وحوله حيث بقي متماسكاً ومترابطاً . وذلك بخلاف مؤسسات وروابط وتحالفات قامت في أقاليمنا العربية والإسلامية لم تستطع البقاء ، وتفككت في غضون ثلاث أو خمس سنوات ، بينما دول مجلس التعاون أبقت على كيانها وعلاقاتها وأجهزة هذه المنظومة طيلة هذه العقود الزمنية من دون أن تصيبها عوامل الضعف أو التفكك . وذلك في حد ذاته إنجاز يُحفظ ويُذكر ومدعاة لأن يُفتخر به ، خاصة أثناء احتفالياتنا بذكرى تأسيسه الثالثة والثلاثين . في الواقع أن أهم أسباب تماسك المنظومة الخليجية المسماة دول مجلس التعاون إنما ترجع ضمن أسبابها الرئيسة إلى كون أن الشعوب الخليجية ، حكام ومحكومين ، هم أهل وجماعة واحدة ، في انتمائهم وعلاقاتهم وأنسابهم ولغتهم وسائر طبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم ، وكذلك – وهو الأهم – في مصيرهم المشترك .