ذكرت في مقالي أمس الأول أن الإهمال وسوء التخطيط والتدبير هو الفاعل والمتسبب الرئيس في حريق سوق المحرق ؛ ليس من باب الافتراء أو ( التبلّي ) وإنما يمكنني أن أغثّ القراء الكرام بعدد من التصريحات عما بات يُسمى عندنا بالمشروعات الوهمية أو ( الورقية ) أو المشروعات المفتوحة الآجال والآماد ، والتي كان منها تطوير هذا السوق الذي احترق ، حيث الكلام عن تطويره لم يتوقف منذ مايقارب السبع السنوات أو أكثر، من دون أن يتأتى هذا التطوير على الأرض . بالرغم أن هذه المدّة كفيلة ببناء مدن وجزر بأكملها وليس بناء سوق أو حتى تطويره!!
بل بتاريخ 3 سبتمبر 2012م نشرت صحفنا المحلية خبراً حمِل عنوان ” سوق المحرق ينذر بكارثة بشرية وتجارية ” جاء فيه ( أنقل نصّاً جزء منه ) : ” قامت الجهات الأمنية والبلدية في المحرق ولأول مرة بشكل رسمي بتسجيل سوق المحرق وسوق القيصرية على أنه مهيأ لحصول كارثة بشرية وتجارية . وتم ذلك خلال زيارة قام بها مجلس المحرق البلدي ويمثله ممثل الدائرة الخامسة غازي المرباطي، وبلدية المحرق ويمثلها رئيس قسم التفتيش والمتابعة المهندس وليد الذوادي، وعن إدارة الدفاع المدني بوزارة الداخلية وكيل شرطة محمد صالح وعدد من مرافقيه. وقد تغيبت وزارة الثقافة عن حضور الزيارة رغم تلقيها دعوةً رسمية بصفتها المسؤولة عن تطوير سوق المحرق والقيصرية. هذا وأكد الدفاع المدني في هذه الجولة مخاوف مجلس المحرق البلدي وعدد من المواطنين والتجار الذين صرحوا مراراً وتكراراً بأن السوق خطرويهدد بتكرار كارثة سوق مدينة عيسى الشعبي. وقد تبين أن الأسقف بالفعل وضعها خطير علماً أنها تسمى بالأسقف مجازاً، وذلك من حيث احتمال تعرضها إلى انهيار في أي لحظة بسبب تهالكها. كما أنها من الأساس مخالفة للمعايير البلدية لكونها مصنوعة بجهود ذاتية من بعض أصحاب المحلات والذين صنعوها باستخدام الأخشاب والأقمشة ومواد أخرى قابلة للاشتعال بحسب تأكيدات الدفاع المدني. وأكد محمد صالح أن الحريق لو حصل لا سمح الله فسوف يمتد من محل إلى آخر بسرعة شديدة إلى أن يلتهم السوق بشكل سريع، وهذه المرة قد تقع خسائر بشرية جسيمة في الأرواح والأموال “.
وفي اليوم التالي تصدر – بشكل سريع – وزارة الثقافة بياناً آخر تنفي دعوتها لتلك الزيارة وتتنصل من مسؤوليتها عن إجراءات السلامة في تلك السوق وتحمّل الدفاع المدني والبلديات كل ذلك ، بل وتعلن في هذا البيان ” تطوير سوق القيصرية بواقع (41) محلا تجاريا. ويتم حالياً التحضير لطرح المناقصات اللازمة لاختيار استشاري ومقاول تنفيذ المشروع خلال الفترة القريبة القادمة ، ومن المتوقع إنجاز الأعمال في نهاية العام 2013 ضمن ميزانية تقديرية وقدرها 650000 دينار”. وبالطبع انتهى العام 2013م من دون أن يُنجز .
بحسب منطق الأشياء ، بحسب مقتضيات الأمانة والحرص ، بحسب متطلبات الخوف على حياة الناس ومعاشهم وأرزاقهم ، بحسب واجبات الأداء الوظيفي ، بحسب وبحسب وبحسب … إلخ ، فإن جهات رسمية ثلاث هي : البلديات والدفاع المدني ووزراة الثقافة تطلع على الناس وتعلن في ( الميديا ) في شهر سبتمبر 2012م أن وضع سوق المحرق ينذر بكارثة بشرية وتجارية ؛ يُفترض أنها – هذه الجهات – قامت بإجراءات تمنع وقوع هذه الكارثة انطلاقاً من واجباتها ومسؤولياتها و( صميم ) عملها ، هكذا يُفترض لولا أن الكثيرين اختاروا أن يكون أو يقصروا عملهم على مجرّد التصريح والظهور على وسائل الإعلام و( مانشيتات الصحف ) ونسوا مسؤوليات وأعمالهم الأساسية .
في اعتقادي أن الدولة مطالبة اليوم أن تحقق مع هذه الجهات الثلاث وغيرها من جهات العمل والتنفيذ والقرار التي حذرت من وقوع كارثة في سوق المحرق ، وتسألهم عما اتخذوه من أعمال وإجراءات بعدما اكتشفوا وحذروا وصرحوا . ماقيمة تلك التحذيرات إن لم يتبعها عمل وإجراء يتفادى الكارثة ؟! حوالي سنتين – وربما أكثر – من التحذير ، ثم تقع الكارثة وتظهر ذات الجهات في المشهد الذي يشبه – في واقع الأمر – الاحتفالية بالفشل ! سانحة :
من أغرب الأشياء التي نراها – ربما هي صناعة بحرينية خالصة – أن الوزراء وممثلي الشعب والمحافظين وماشابههم من فئة متخذي القرار أو أصحاب مراكز القرار والفعل أوالمنفذين الطبيعيين المفترضين صاروا يطالبون ويقترحون ويناشدون ويتمنون ، وقد يظهرون بهذه المطالبات والاقتراحات والمناشدات على الصحف والتلفاز والإذاعة ليبقى السؤال : ماذا تركوا إذن للمواطن العادي ؟!!!