في اللغة معناه شقّ أو خرق من جانب إلى آخر ، ويُقال” وَضَع المفتاح في ثُقْب الباب” وجمعه ثُقَب ، لكنه في السياسة أصبح له معنى يتعلق بالفرق بين النظرة الشمولية والأحادية القاصرة للأمور والأحداث ، حيث يلجأ البعض لأن يفتح للآخرين مجرد ( ثقب) يرى من خلاله مايراد له أن يراه ، وذلك على نهج الفراعنة المنقرضين ” ما أريكم إلا ما أرى “.
وعلى ذكر الفراعنة فإن فرعون ؛ ليس بالضرورة أن يكون شخصاً أو حاكماً أو نظاماً أو دولة ، إنما قد يتجدّد ويتشكّل في كل أولئك ، فها هي – مثلا- أمريكا ترى في نظامها وقوتها أنها الأجدر بقيادة العالم ، وأنه مامن سبيل لأحد أن يرى شيئا من دون رضاها وموافقتها . مصداقاً لذلك تقول مادلين أولبرايت وزيرة خارجيتهم السابقة في إحدى المقابلات معها في جامعة أمريكية : ” في هذا الكون قوة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة !! ” وكان أيضاً الرئيس الأمريكي الأسبق بوش يقول : ” نحن نقبض على ناصية المستقبل بأيدينا ” وهكذا فإن لسان حالهم يقول ” ما علمت لكم من إله غيري ” وبالتالي لايختلفون عما ردّده في السابق فرعون ” ما أريكم إلاّ ما أرى ” .
وتبعا لذلك فإن الأمريكان صاروا هم المسؤولين عن تشكيل آراء وتوجهات الجميع ، وبالأخص الحكام والأنظمة في مختلف دول العالم العربي والإسلامي من خلال ( الثقب) الذي يفتحه لهم البيت الأبيض ليروا القضايا ومجريات الأمور عن طريقه ، سواء في بلدانهم أو غيرها من البلدان . ولايسمح لهم بتوسعة هذا الثقب أو إزالة الغطاء والحاجز ليشاهدوا الصورة كاملة ويتعرفوا على شمولية الواقع وحقيقته .
قبل احتلال العراق فتحوا لنا ثقبا في العراق أسموه امتلاك أسلحة الدمار الشامل ، تم تصديقهم ، ثم جرى التحشيد والتجييش انطلاقا من هذا الثقب الذي لم تتعب الأنظمة والقيادات العربية والإسلامية نفسها لمجاوزة هذا الثقب ومحاولة أن تفتح لها ثقوب مستقلة تتأمل من ورائها كامل الحقيقة ، واستمر قومنا ينظرون للعراق من خلال ثقب ( امتلاكها أسلحة الدمار الشامل ) حتى تم غزوها وتدمير استقرارها ومجتمعها ونهب خيراتها وتسليمها لمن لايرحم أهلها ، وبالطبع لم يتحصل حتى الآن على أي نوع فيها من أسلحة الدمار الشامل .
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ( الشهيرة ) فُتح ثقب آخر حمِل شيء أو مصطلح واسع الأغراض متعدد الأهداف ، هو ( الإرهاب ) ؛ فجأة انتشر هذا المسمى في آفاق الدنيا ، على إثره تم إطلاق يد ( العربدة ) الأمريكية في بلدان المسلمين ، قتل للأبرياء ، تدمير للمدن ، دكّ للقرى ، طائرات وراجمات وصواريخ استحلّت الأجواء وانتهكت السيادات ، في السماء كما في الأرض ، تغتال وتعتقل من تشاء ، حاصرت العمل الخيري وغيرت حتى المناهج الإسلامية ، ولايزال هذا الثقب (الإرهاب) شماعة للقمع والظلم يسوّقها ( الكوبوي ) وفقاً لـ ( ما أريكم إلا ما أرى ) .
انتفض مؤخراً الشعب العراقي ضد احتلاله الصفوي ، ورفض التمييز الطائفي ، ثار على الطغيان والاستبداد ، أراد أن يكسر تهميشه ويعيد حريته وكرامته ، شهد العالم فجائية ثورته وانتصاراته ، لكن فراعنة العصر سارعوا إلى فتح ثقب لايسمحون لنا أن نرى في انتفاضة العراق سوى أنها ( إرهاب ) ينبغي وقفه ودحره وكسره حتى لو كانت في واقع الأمر هي ثورة شعب وصحوة أحرار ومعركة كرامة وحرب هوية ونصرة مظلومين وثأر لدماء وأعراض وأرواح طاهرة . لاينفع كل ذلك مادام ( الثقب ) المفتوح لنا لايرى من كل ذلك سوى أنهم ( داعش ) وعلينا أن نقول إنهم ( داعش ) وسنلمح في الأيام القليلة القادمة تحالفات وتجمعات من الشرق والغرب ، وبين أضداد ما كان لها أن تتكالب على العراقيين ( السنة ) لولا أنه لم يُسمح لهم برؤية مايجري هنالك إلاّ عن طريق هذا الثقب الملعون . فرحماك ربي بالعراق.
سانحة :
نظرية ( الثقب ) لاتتعلق فقط بالتعاملات والتوجهات الدولية ، بل في الصعيد الداخلي للبلدان ؛ تتكاتف قوى مكوّنة من الفاسدين والمتمصلحين والطبالة ومستشاري خنا وبطانة سوء ومنافقين ، فتفتح للقادة والمسؤولين ( ثقباً ) لايرون واقع الناس ومعايشهم إلاّ من خلال رؤية وأفكار هذه ( الجوقة ) ولاتكون بالتالي معالجات أصحاب القرار وسياساتهم وتصرفاتهم لأحوال رعيتهم إلاّ وفقاً لما رأوه فقط من خلال هذا ( الثقب ) الذي فتحه لهم من لايعملون إلاّ وفقاً لمصالحهم وعطاياهم وأهوائهم وغرائزهم ، فضيعوا وأضاعوا ..