أكثر من (1.7) مليون نسمة يعيشون في قطاع غزة ، ليس معروفاً بالضبط كيف يتدبرون شؤون حياتهم في ظل حصار خانق دخل عامه الثامن على هؤلاء البشر من الفلسطينيين الذين تم إغلاق جميع منافذهم البحرية والبرية والجوية ، ولم يعد بينهم وبين العالم الآخر أي اتصال أو عبور من أجل الغذاء أو الدواء أو أية مستلزمات تستدعيها حاجات البقاء على قيد الحياة ، بل حتى الأنفاق البدائية التي تم حفرها لإيجاد ( مطل ) أو فتحة تمكنهم من إدخال شيئاً يقيهم المجاعة والمرض ويسيّرون به شؤونهم ؛ حتى هذه تم دكّها وهدمها .
لايقف الأمر عند حدّ تحويل هذا القطاع إلى مايشبه السجن الكبير ، وإنما مُنعوا حتى من ركوب بحارهم والغوص في خيراتها ، وأما سماؤهم فباتت مفتوحة لأن ( تعربد ) فيها مختلف أنواع الطائرات اليهودية ، تتجسس أو تدمّر أو تغتال أو ماشاء لها أن تفعل في هذا القطاع المحاصر .
وأما أهل القطاع ؛ فهم عرضة للمذابح والمجازر في أي وقت ، ومشاهد الذبح وصور الفتك ألفتها الفضائيات ووكالات الأنباء العالمية ، أطفال تنتزعهم القذائف من أحضان والديهم ورجال تغتالهم الصواريخ في بيوتهم أو مساجدهم ، بين أهلهم وأحبابهم ، دماء وأشلاء لا تُدمع العيون فقط بل تحرق القلوب لما يظهر فيها من حجم المأساة ، مأساة أيتام وأرامل وثكالى وشهداء ومصابين ومكلومين غمرت الدماء مخيلتهم ، واختطف القتل زهرة سعادتهم ، وأصبحوا أسرى في بيوتهم يحاصرهم الجوع وتقضّ مضاجعهم الحاجة والعوز وتعمل على إزهاق أرواحهم ترسانة فيها مافيها من أسلحة لاتعمل أي قيمة لإنسانية أو كرامة لهؤلاء الفلسطينيين .
وأما الاعتقال ؛ فحدّث ولاحرج ، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية حيث أن قوات الكيان الغاصب تختطف وتعتقل من تشاء ، حتى أعضاء السلطة التشريعية وربما الوزراء ، دونما حسيب أو رقيب ، حتى امتلأت السجون الصهيونية بالأسرى والمعتقلين ، هم بعشرات الآلاف لايعرف حالهم إلاّ علاّم الغيوب ، الليل عندهم كما النهار ، يعانون الفراق ويتعرّضون لصنوف التعذيب والحرمان والمهانة ، بلا إدانات ولامحاكمات .
قصص الاعتقال وحوادث الخطف وجرائم القتل ومجازر الذبح ، والحصار والمنع من الغذاء والعلاج وماشابهها من صور الظلم ومظاهر القمع ؛ يُراد لها أن تمرّ على الفلسطينيين أو حتى غيرهم من أبناء العروبة والإسلام ، سواء في سوريا أو العراق أو بورما أو أفغانستان أو مثلها من مواقع استحلال الدماء والاعتداء على حق الحياة ، يُراد لها أن تمر سلاماً سلاماً ، ويُراد لهؤلاء المظلومين والمضطهدين في أرواحهم وأعراضهم ودماءهم ألاّ ينتقموا لمذابحهم ، وألاّ يثأروا لكرامتهم وإنسانيتهم ، وأن ينظروا إلى جزّاريهم بعين العطف والتسامح ، وأن ينبذوا كراهيتهم ، وأن ينسوا الأرواح التي أزهقت ، ولايفكروا في النساء اللواتي ثُكلن وترملن أو هُتكت أعراضهن ، ولايشغلوا بالهم بالأيتام ، وألاّ ينتظروا المغيبين خلف القضبان ، ولايمعنوا النظر في المنازل التي هُدّمت على رؤوس أصحابها ، ولايحزنوا أو يتأثروا للجثث والأشلاء التي تُنتشل من الأنقاض .
باختصار ، كأنما يراد لكل هؤلاء أن يبقوا جماداً بين الأحياء ويفقدوا إنسانيتهم ويتخلوا عن كرامتهم ، ولايدافعوا عن أرواحهم وأعراضهم وأوطانهم ومقدساتهم ، ولاتهزّهم مناظر القتل والظلم ولاتستثير كل هذه المجازر والاغتيالات والاعتقالات الرغبة عندهم في الانتقام ولاتدفعهم على الأقل للمقاومة والرد على جزاريهم وظالميهم . ويجب عليهم أن يصمتوا ويصبروا ويتسامحوا حتى لايجري وصفهم وتصنيفهم كإرهابيين !! بينما في واقع الأمر إن الإرهابيين تم صناعتهم وتفريخهم باستخدام أدوات الظلم والقتل والذبح والقمع وهتك العرض ، تدعمها وسائل الغدر والتواطؤ والتآمر ، ويغذيها الخذلان والصمت والإعراض عن نصرتهم ونجدتهم . لا أحد يؤيد الإرهاب ؛ لكنه نتيجة لأسباب ، ومن كان يريد استئصال الإرهاب فعليه بالأسباب ، أسباب صناعته بدلاً من إضاعة الوقت والجهد في محاربة النتيجة .
سانحة :
قاعدة فيزيائية تقول : لكل فعل رد فعل ، مساوٍ له في المقدار ومضاد في الاتجاه .