وجمعها خبايا ، وهي مؤنث خبيء ، ومعناها : شيء مستور أو مخفي . ويُقال خبايا الأرض : أي كنوزها أو معادنها ومافي بطنها من موارد . وخبايا القلب : مايكنّه من مشاعر وأحاسيس . وخبايا النفوس : أسرارها وخفاياها وأعماقها .
والخبيئة في ديننا الإسلامي هي عبادة في السر وطاعة في الخفاء لايقدر عليها إلاّ الصادقون والمخلصون ، ويعجز عنها الكذابون والمنافقون ، تنقي الأعمال من الرياء والسمعة وتجعلها خالصة لوجه سبحانه وتعالى . وقد حثّ عليها سيد البشر صلى الله عليه وسلم حينما قال : “من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل”.
ومن أكبر وأعظم تلك الأعمال التي درج عليها الصالحون في خباياهم التي جعلوها سراً بينهم ومع المولى عز وجل ؛ صدقة السر ، فهي أدعى للإخلاص والتجرّد من أي شائبة قد تعتريها من نوازع حب الظهور أو المنّ والتفضّل . وقد ذكر أهل العلم بعضًا من الفضائل في صدقة السر منها : ” أن صدقة السر أستر على الآخذ وأبقى لمروءته وصونه عن الخروج عن التعفف ، ومنها أنها أسلم لقلوب الناس وألسنتهم ، ومنها أنها أقرب إلى الأدب في العطاء.
وعن ذلك ، عن الخبيئة ؛ يحكي آباؤنا وأمهاتنا عن المساعدات والصدقات التي يقدمها المحسنون وأهل الخير وأصحاب الأيادي البيضاء إلى الفقراء والمحتاجين ( أيّام لوّل ) فيؤكدون أنها كانت تتم بصورة لاتنتهك تعففهم ولاتجرح أو تمتهن كرامة هؤلاء المعوزين ولاتفضح سترهم ، وكان أغلب المحسنين لايكشفون عن شخصيتهم ولايعلنون عن عطيّتهم ، كانوا يتنافسون في تفريج كرب المحتاجين ورفع عوزهم ، لكنهم يجعلون ذلك سرّاً بينهم وبين خالقهم ، لايطّلع عليه أو يعرف بجميل إحسانهم غير المولى عز وجل . كان أحدهم يطرق باب الفقير أو المحتاج ويضع أمام الباب ( يونية عيش ) أو ( قلّة تمر ) أو ( خيشة شِكَر ) أو ما سواها من ( الماشلة ) ثم يختفي بسرعة عن الأنظار قبل أن يفتح صاحب البيت بابه فيجد هذه المساعدات من دون أن يرى أي أثر لصاحبها ، وذلك قبل أن يدور الزمان دورته فتكون تلك العطايا والمساعدات أحد مظاهر الاحتفال والاحتفاء بصاحبها ، وتكون تلك الصدقات فيما يشبه المهرجانات والاحتفالات ، يكثر فيها التصوير ويغلب عليها الدعاية فيما تُنتزع منها البركة والثواب ، وقد تُنتهك خلالها كرامة هؤلاء الفقراء والمعوزين الذين دفعتهم الحاجة للقبول بالتصوير مع المساعدات المقدمة لهم ، أمام ( الكاميرات ) والأضواء الكاشفة ، وبحضور الصحف ووسائل الإعلام وأحياناً تُنقل – لايف – على الهواء مباشرة !! فتُهدر كرامتهم ويُفضّ عفافهم وسترهم ، ويضيع على المتبرّع أجر وفضل الخبيئة ..
سانحة :
قال تعالى عن صدقة السر: ” إِنْ تُبْدوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي وإِنْ تُخفُوها وتُؤْتوها الفُقَراءَ فهُوَ خَيْرٌ لَكُم “.