راصد

وعند الله تجتمع الخصوم

بين يدي اليوم قصة مؤلمة ، تم التطرق إليها ونشرها يوم أمس الأول ، ألمها لايتوقف فقط على مقدار الظلم الواقع على صاحبتها وإنما يتعمق هذا الألم للإذلال الذي يتعرض له مواطن بحيث أن شأناً عادياً وبسيطاً يُعد من حقوقه المكتسبة وفق القانون تُلجأه مؤسسته التي يعمل بها لأخذه عن طريق القضاء !! ثم أن الألم الأكبر إنما يكمن في الجرأة على كسر هيبة القانون ورفض تطبيقه ، سواء في نصوصه الواضحة أو من خلال حكم قضائي ، فإلى من المشتكى حينئذ خاصة إن كان الأمر يتعلق بقطع الأرزاق ؟!

بطلة القصة أم لطفلتين ، أكبرهما أربع سنوات والصغرى أكملت سنة واحدة اضطرتها ظروف ومتطلبات رعاية طفلتيها – وبالذات حاجة أصغرهما المريضة بالربو – أن تطلب إجازة بدون راتب من المصرف الإسلامي الذي تعمل فيه  . هذه الإجازة عادية ومعمول بها ، وهي أحد حقوق المرأة العاملة التي كفلها القانون ،  بل جاء النص بها واضحاً في قانون العمل في القطاع الأهلي رقم (36) لسنة 2012 حيث تنص المادة (34) منه على ” تستحق المرأة العاملة الحصول على إجازة بدون أجر لرعاية طفلها الذي لم يتجاوز ست سنوات بحد أقصى ستة أشهر في المرة الواحدة ولثلاث مرات طوال مدة خدمتها” .

لكن  إدارة هذا المصرف رفضت طلب هذه الأم رغم استيفائها كامل الشروط الموضوعية والشكلية بما فيها تقديمها للطلب قبل فترة كافية ، قدّمته قبل خمسة أسابيع من موعد الإجازة التي تطلبها . ولأن المولى عز وجل قد أودع في قلوب الأمهات رحمة فطرية بأطفالها ، ونظراً لمعرفتها بالحاجة الماسّة لرعايتهما بأخذ هذه الإجازة ؛ طرقت هذه الأم كل الأبواب لأجل مساعدتها واسترضاء إدارة هذا المصرف وترقيق قلوبهم من أجل قبول طلب إجازتها التي هي بدون راتب ، بما في ذلك باب وزارة العمل التي درست الموضوع وخلصت في تقريرها إلى ” أن وزارة العمل ترى أحقية الشاكية في إجازتها للرعاية بتاريخ الطلب حيث أن المشرع البحريني في قانون العمل بين أنه تستحق المرأةُ العاملة الحصول على إجازة بدون أجر وذلك لرعاية طفلها الذي لم يتجاوز ست سنوات بحد أقصى ستة شهور في المرة الواحدة ولثلاث مرات طوال مدة خدمتها هذا مع مراعاة الشاكية مصلحة العمل وتقديمها الطلب في مدة مناسبة ليتسنى لصاحب العمل تنظيم العمل “.

غير أن إدارة هذا المصرف أصرّت أيضاً على موقفها الرافض لطلب إجازة هذه الأم التي انتقلت بطلبها – تحت ضغط الاضطرارية والحاجة الملحة – إلى محكمة الدعوى العمالية !! بمعنى ( علشان ) إجازة ، مجرّد إجازة ؛ يصل الأمر إلى القضاء الذي أيضاً أصدر حكمه وأيّد هذه الأم في طلبها وحقها لكن هذا الحكم لم يأبه به هذا المصرف الذي يعمل في بلد يُعلي من شأن المرأة ويكثر فيه الحديث عن حقوقها وتمكينها فإذا بمثل هذا المصرف يذلها و( يمرمطها ) من مكان إلى مكان في حالة هي أشبه باستجداء حق كفله لها القانون وأيدته الجهة المعنية بالإشراف على القطاع الخاص ثم وقف القضاء معها في هذا الحق . لاحظوا أننا نتكلم عن طلب إجازة ، مجرّد إجازة ، لا ، وبدون راتب أيضاً .

على العموم انتقلت الدعوى إلى المحكمة الكبرى العمالية ؛ في الأثناء توقفت الأم المسكينة عن العمل ، فلم يعد في الإمكان أن تترك طفلتيها أكثر من ذلك ، لم يمهلها هذا المصرف كثير وقت ، ولم ينتظر قرار المحكمة الكبرى العمالية ، فعمد إلى فصلها من العمل بدون رحمة لرزقها وبدون رأفة لأطفالها . ليأتي قرار المحكمة بعدئذ  ” بأنه لا محل لنظر الطلب في الدعوى لانتهاء علاقة  العمل بين المدعية والمدعى عليه “.

هذه مأساة أم ؛ أسوقها إليكم في هذا الشهر الكريم وأرفعها للجهات المختصة ، في المجلس الأعلى للمرأة ومصرف البحرين المركزي ووزارة العمل وغيرهم ، أرويها كما حصلت بكامل فصولها ، وما احتوته من غرابة وإذلال وعناد وتحدّ للقانون وعدم مراعاة للإنسانية . لكن بقي فصل آخر لايمكن تفسيره أو إيجاد مبرر ومسوّغ قانوني وأخلاقي له ، ولانملك إزاءه إلاّ أن نقول حسبي الله ونعم الوكيل . الموظفة المفصولة وضعت مدخرات أسرتها وسني حياتها كوديعة في ذات المصرف الذي أقدم على الاستيلاء على مبلغ هذه الوديعة بعد فصلها ، وذلك بحجة سداد المتبقي عليها من القرض الممنوح لها من المصرف نفسه على الرغم من أن هذا المبلغ – الوديعة – لا علاقة له بالقرض، وهي لم تتخلف عن سداد الأقساط أصلاً ، فضلاً عن أن وثيقة العقار الذي تم التمويل من أجل شرائه كانت مرهونةً لدى المصرف نظير التمويل كضمان حتى إتمام السداد !!

سانحة :

إلى ديّان يوم الدين كلنا نمضي وعند الله تجتمع الخصوم ..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s