قبل حوالي أربعة أعوام ، أقل أو أكثر ، وبالضبط عند مشارف الاستحقاق الانتخابي للعام 2010م انتشرت أو نُشرت – لأسباب ما – ثقافة مجتمعية معينة ، واشتغلت أو شُغّلت لها ( ماكينة ) كبيرة لمهاجمة الإسلاميين والانتقاص منهم ، سواء بالتشويه أو التدليس أو تصفية حسابات شخصية أو انتخابية كان الهدف الواضح منها آنذاك إقصاء الجمعيتين ( القويتين) في الشارع السني عن عموم المشهد السياسي أو تخفيف سيطرتهما عليه وتجفيف التفاف الناس حولهما ، وأعني هنا جمعيتي المنبر والأصالة ، وكان ذلك يحدث بصورة غريبة لاتتناسب ومنطق إحداث توازن مع جمعيات الطيف الآخر ، خاصة الوفاق التي كانت تتضخم ورتبت لها شارعاً ونظمت أتباعاً وصفوفاً يُحسدون عليها.
شارك أو تطوّع في تلك الحملة أناس كثيرون ، محللون ومنظرون وكتّاب وما شابههم ، بعضهم لديه قناعات خاصة به وبعضهم انتهزها فرصة لثاراته الشخصية أو الفكرية وتفريغ انتقامات له وبعضهم هم طبّالة وأبواق و(حصالات) وجدوا في هذه الـ ( ماكينة ) مرتعاً للتكسب والارتزاق ، فضلاً عن طائفيين آخرين وجدوا في ذلك فرصة سانحة للتنفيس والمكر والصيد في الماء العكر.
وكانت المادة الرئيسية لثقافة هذه الـ (ماكينة) الغريبة تتكون من فكرتين أساسيتين : أولهما : الدعوة لأن يبقى المواطن مستقلاً ، بعيداً عن أي انتماء ، نائياً بنفسه عن التحزّب ، وألاتكون له علاقة بمؤسسات المجتمع المدني ، أسهبوا آنذاك في عرض مساويء الانتماء ومثالبه والعمل تحت مظلة هذه الجمعيات التي لها مصالح وأجندات لاتصبّ لخدمة المواطن وإنما تكون موجهة لفئات معينة بينما الاستقلالية تمنح فضاء أوسع وقدرات أكبر وإمكانات أفضل و… إلخ.
أما الفكرة الثانية ؛ فإن هذه الجمعيات ( الإسلامية ) قد سيطروا من خلال صفقات ومكافآت على مفاصل الدولة وتربعوا على مناصبها واستحوذوا عليها . هذه أيضاً تم الإسهاب فيها بشكل غير مسبوق حتى أن بعض أعضاء تلك الجمعيات كادوا أن يصدّقوا (سالفة) سيطرتهم على مفاصل الدولة . وأذكر آنذاك أني التقيت بأحد هؤلاء ( المشتطين) في حكاية الاستقلالية والسيطرة على مفاصل الدولة ، وتناقشت معه وسألته كثيراً عما يرددّه ، طلبت منه تعداد أمثلة بالأسماء على هذه المفاصل ( المُسيطر ) عليها ، بالفعل ، أظنّه عدّد لي مايقارب ثمانية أسماء – أقل أو أكثر – ، منهم مدراء ورؤساء أقسام في القطاع الحكومي ، قال أنهم ينتمون لتلك لجمعيات . للأمانة طلبت منه تعداد أمثلة أكثر ، وطلبت منه تعداد أسماء وزراء منهم ( آنذاك لم يتم تعيين الوزيرين الحاليين من المحسوبين على الجمعيتين ) ، لكنه لم يستطع ! تصوروا أن صاحبي هذا ( ذابح روحه) في حكاية مفاصل الدولة المُسيطر عليها لكنه لايملك سوى ثمانية أدلّة ! وبالطبع بحسب العقل والمنطق فإن مفاصل الدولة شيء أكبر من ذلك بكثير، كمّا وكيفاً ! وليس من المعقول أن ثمانية رؤساء أقسام ومدراء إدارات يمكنهم السيطرة على مفاصل وزارة ، فضلاً عن دولة ! وغداً نكمل .