راصد

الفرق بين الحجارة والصواريخ

عندما يُقتل الفلسطيني على مدار الساعة أو يكون هدفاً مســـتباحاً ، هو ومنزله وأبناءه وأحفاده وكل أسرته ، لا تفرق الطائرات والبوارج الحربية بين كبيرهم وصغيرهم ، ولابين رجالهم ونســـائهم ، ولايسلم منه حتى الأطفال الرضّع فهنا القتــل مشروع ومبـــاح ولاعلاقة له بالإرهـاب ، حتى لو جاء بخلاف المواثيق والقوانين الدولية التي تحرّم هذا الاستهداف الإجرامي ، وحتى لو صار هذا الفتك والقتل تتبناه دولة وتقوم به حكومة ، حتى لو كان بشكل معلن وصريح ، بل ومنقول – (live) – على الهواء مباشرة يتابع القاصي والداني في مشارق الأرض ومغاربها تفاصيل ذبح هؤلاء الفلسطينيين بكل دقة وجرأة في إزهاق الأرواح واستباحة الدماء .
أما إذا دافع هذا الفلســـطينى وانتقم انتقاماً طبيعيــــاً لمن قتل والده أو أمه أو ابنه أو أحد أفراد عائلته أو دفاعاً عن أرضه وعرضـــه وشرف مقدسـاته فإن كل ذلك يعتبر إرهاباً وسـلوكاً عدائيـــاً غير مقبول ويستحق فاعله مايصيبه ويجري عليه من ويلات ومجازر ، والأغرب أن يظهر بهذ المنطق الأعوج بعض العرب الذين بسبب كرههم أو عدائهم مع فصائل المقاومة الإسلامية ، وبالذات حركة حماس ؛ فإنه لابأس عندهم أن يتساوى الجلاّد مع الضحية ، ولاضرر أن تبقى الضحية بلا مقاومة أو أن عليها أن تختار بين أن يذبحها الجزار بقصف طائراته أو يقتلها بالحصار وغلق المعابر !!

واقع الحال ؛ كأنما يراد للفلسطينيين عموماً وأهل غزة خصوصاً أن يبقوا جماداً بين الأحياء ويفقدوا إنسانيتهم ويتخلوا عن كرامتهم ، ولا يدافعوا عن أرواحهم وأعراضهم وأوطانهم ، ولاتهزّهم مناظر القتل والظلم ولايؤثر فيهم الحصار والتجويع ولاتستثير كل هذه المجازر والمذابح الرغبة عندهم في الانتقام ولا تدفعهم هذه الدماء والأشلاء على الأقل للمقاومة والرد على جزاريهم . بل ويجب عليهم أن يصمتوا على ذبح أهاليهم وأبنائهم ، وأن يصبروا على غلق منافذ الحياة أمامهم ، يُراد لهم ألاّ يفعلوا أي شيء تجاه ذلك ليبرهنوا للطغاة والمتجبرين ، ومعهم المتخاذلين والمنهزمين والمتواطئين أن الســلام والأمن والاســـتقرار لايتــأتى إلا عن هذا الطريق الخانع المــذل !! طريق مصافحة الجلادين وعناق الجزارين ومصاصي الدماء .

في سابق الزمن ؛ كانت حجارة الانتفاضة محل فخر واعتزاز ، ألهبت الحناجر إنشاداً وغناء ، وطرِب لها الشعراء والفنانون فسالت لها الأحبار قريضاً ورسماً ، إشادة وتهليلاً بمقاومة تلك الحجارة وأثرها . واليوم – بعدما سالت في الأنهار مياه آسنة – صارت صواريخ الانتفاضة التي استطاعت أن تضرب عاصمة الكيان الغاصب ( تل أبيب ) وأن تشلّ الحياة المدنية فيه ، وأن تثير الهلع والفزع لدى مئات الآلاف من الصهاينة الذين اتخذوا – بسببها -الملاجيء سكنا لهم هذه الأيام ؛ صارت هذه الصواريخ عند البعض مدعاة للاستهزاء والتثبيط رغم أنهم كانوا أبطالاً في يوم من الأيام في مدح الحجارة ! في مفارقة تنمّ عن مقدار الوهن وتمكن روح الانهزام التي عبّر عنها قديما الشاعر المتنبي بقول :

من يهُن يسهل الهوان عليه مالجرح بميت إيلام

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s