انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي صورة ضمن صور كثيرة يبكي لها القلب قبل العين ويندى لها الجبين لأحوال إخواننا في قطاع غزة ، الصورة التي أقصدها هي صورة لطبيب نرويجي ينحني ويقبل رأس طفل فلسطيني استشهد بعد غارة يهودية غادرة .
الطبيب النرويجي اسمه مادس فريدريك جيلبرت من مواليد عام 1947 متخصص في التخدير، ويرأس قسم طب الطوارئ في مستشفى جامعة شمال النرويج بالإضافة إلى عمله كأستاذ في طب الطوارئ في جامعة ترومسو منذ عام 1995 ، آثر هذا الطبيب أن يغادر بلده ويلتحق بقوافل المتطوعين لنجدة نزيف الإنسانية في غزة حيث يقول عن العدوان الصهيوني الغاشم ” كل الأمور التي تحدث في قطاع غزّة تدلّ على أننا أمام جريمة إنسانيّة ، تمارس فيها أبشع أشكال الإجرام والعدوان ، حتى قبل العدوان ، يمكننا القول إن حصار غزّة بحد ذاته جريمة ضد الإنسانيّة تأتي ضمن سياسة العقاب الجماعي” والطبيب جيلبرت ؛ لم تكن هذه زيارته الأولى لغزة ، فقد سبق له أن تطوّع في ذات مجاله إبّان الاعتداءات الصهيونية السابقة .
هذه الصورة للطبيب النرويجي وكذلك صور أخرى لأطباء وممرضين وأجانب آخرين شكلوا دروعاً بشرية أمام بعض مستشفيات غزة معرّضين حياتهم للخطر أمام الغدر اليهودي وضرباته وقصفه الوحشي صارت تثير هذه الأيام أسئلة كثيرة حول ضعف أو أفول الرد والتفاعل العربي مع عموم قضايانا ومآسينا حتى أن المظاهرات والمسيرات المنددة بالعدوان على غزة قد اكتظت بها عواصم من مختلف دول العالم ، شرقه وغربه ، لكنها في دول العالم العربي ليس لها وجود أو لاتكاد تُذكر بعدما كان الظن أنهم أوّل من سترتفع أصواتهم احتجاجاً على هذه المجازر والمذابح بحق إخوانهم في غزة ، إن لم يكن بدافع دينهم الإسلامي الذي يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ” المسلمون تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمتهم أدناهم وهم يدٌ على من سواهم ” أو بدافع القومية العربية التي أصبحت – هي ودعاتها – اليوم أثراً بعد عين ! أو بدافع الإنسانية التي هي الأخرى تجمدّت عندنا روحها وتبلّد الإحساس بها وغابت عنها حتى القدرة على الغضب ، وضاعت النخوة والشهامة ، وتغلّب أمام فظاعة المشهد وقسوة الجريمة الصهيونية التشبّث ببضعة حسابات سياسية هنا وهناك على الاعتبارات الإسلامية والقومية والإنسانية في واحدة من أكثر الصور تعبيراً عن الحالة المزرية للإنسان في عالمنا العربي الذي أصبح بلا قيمة ، ولا تُحترم له حرمة ولا تُصان له كرامة ، ويُباع دمه بأرخص الأثمان .
سانحة :
عندما حرقوا المسجد الأقصى عام 1969 قالت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني – آنذاك – غولدا مائير : ” لم أنم ليلتها وأنا أتخيّل العرب سيدخلون إسرائيل أفواجاً من كل صوب ، لكنّي عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أنه باستطاعتنا فعل مانشاء ، فهذه أمة نائمة “.