الطبيب النرويجي مادس فريدريك جيلبرت أستاذ في طب الطوارئ في جامعة ترومسو ورئيس قسم طب الطوارئ في مستشفى جامعة شمال النرويج ، الذي كتبت قبل يومين في عمودي المتواضع عن وجوده كمتطوع في قطاع غزة ؛ كان حاضراً هناك ، إبان المذبحة المروّعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني أمس الأول في حي الشجاعية بغزة وراح ضحيتها أكثر من (60) شهيداً ومئات المصابين .
الطبيب جيلبرت كتب رسالة مؤثرة حينها إلى أصدقائه ، قال فيها : كانت الليلة الماضية من أصعب الليالي، فقد أسفر “الهجوم البري” على غزة الكثير من الجرحى وأشلاء السيارات والأشلاء البشرية والدماء والخوف وكل أنواع الموت للجرحى الفلسطينيين وبكل الأعمار وكل المدنيين والأبرياء.
وبدى التعب وأعباء العمل الإنساني على الأبطال المسعفين في جميع مستشفيات غزة الذين يعملون لـ 12-24 ساعة (وطبعاً دون أن يتقاضوا أجرهم في مستشفى الشفاء خلال الشهور الأربعة الماضية). إنهم يألمون ويحاولون فهم ما يجري حولهم من تشوه الأجساد، الأحجام، الأطراف المبتورة، إن هذا يمشي أو ذاك لايمشي، يتنفس أو لا يتنفس، ينزف أو لا ينزف، أين الإنسانية.. الإنسانية! الآن ومرة أخرى يعامل “الجيش الأكثر أخلاقاً في العالم” هذا الشعب كالحيوانات!
احترامي وتقديري لكل الجرحى في إصرارهم المتواصل في خضم الألم والمعاناة والصدمات، وأسجل إعجابي بالطاقم والمتطوعين. صمودي إلى جانب الفلسطينيين يمنحني القوة رغم رغبتي أحياناً بأن أصرخ، أن أحتضن أحدهم بقوة، أن أبكي، حين أشم رائحة جلد وشعر طفل دافئ مغطى بالدم، أن نحمي أنفسنا بعناق لا حدود له، لكننا لا نحتمل ذلك ولا نستطيع.
وجوه مغبرة خجلى، يا إلهي! لا مزيد من الأشلاء والدماء، لا يزال لدينا برك من الدم على أرض قسم الطوارئ، أكوام نازفة، ضمادات متشبعة بالدم لتنظفهم، في كل مكان، دم جارف بسرعة والشاش المهمل، شعر، ملابس، إبر الوريد المتبقية بعد الموت، كلها تؤخذ بعيداً حتى يتم تجهيزها مرة أخرى ليعاد استخدامها مرة أخرى. أكثر من 100 حالة جاءت إلى مستشفى الشفاء في الأربع والعشرين ساعة الماضية، هذا يكفي لمستشفى مجهز بكل شيئ، لكن هنا تقريباً لا يوجد شيء: كهرباء، ماء، مستهلكات، أدوية، أسرة المرضى، أدوات، شاشات، جميعها صدئة وكأنها مأخوذة من متحف للمستشفيات القديمة، لكنهم لا يشتكون، إنهم أبطال يستطيعون التعامل معها كالمجاهدين وجهاً لوجه بعزم شديد. وأني أكتب هذه الكلمات لكم وحدي على السرير، فإن دموعي تسيل دافئة لكنها دموع من الألم والحزن والغضب والخوف دون جدوى.
وبعد.. فقد بدأت تواً أوركسترا آلة الحرب الإسرائيلية، إنها السيمفونية المرعبة مرة أخر، لقد بدأ لتوه وابل من القذائف المدفعية من القوارب البحرية على الشواطئ، وقصف الـ إف 16، والطائرات بدون طيار (التي يسمونها “الزنانة”)، وضجيج الأباتشي. كلها مصنوعة ومدفوعة في ومن الولايات المتحدة الأمريكية.
هل لديك قلب يا أوباما؟ وإني أدعوك – طوال ليلة واحدة- ليلة واحدة فقط أن تكون معنا في مستشفى الشفاء، تخفى بشخصية عامل نظافة مثلاً. أنا متأكد 100% أن ذاك من شأنه أن يغير التاريخ.لا يمكن لأحد لديه القلب والقوة أن يمشي في مستشفى الشفاء دون أن يصر على إنهاء قتل الشعب الفلسطيني. لكن من ليس له قلب ورحمة فسيأخذ بحسبانه التخطيط لمزيد من الضحايا والهجوم على غزة. ستبقى أنهار الدم تجري حتى الليلة القادمة، أكاد أسمع تعديل آلات الموت خاصتهم.أرجوك، افعل ما تستطيع فعله، لا يمكن أبداً أن يستمر هذا الحال.