راصد

“وهل ينطق من في فيه ماء”

قرأت في واقع الأمر ماكتبه الزميل الصحفي الأخ العزيز طارق العامر الذي كان سبباً لإقالته من صحيفته فلم أجد فيه مايستدعي كل هذه الـ ( ردّة الفعل ) ولم يستوقفني فيه ما يتناسب مع كون تلقي الأخ طارق تهديدات بالقتل واستباحة دمه أو مايدفع لإصدار فتاوى وبيانات وما إلى آخره من أمور أرى أنها قد تم المبالغة فيها ، وأن المقال أو الكاتب ليسا هما المقصودين في هذه الحملة الكبيرة غير المبررة . وهنا لا أتكلّم عن وجود خطأ ما أو عدم وجوده في المقال المذكور ؛ لكني أقول أن ردّة الفعل أكبر من هذا الخطأ في حال وجوده ، خاصة في ظل أن الخطوط الحمراء التي يجب ألاّ تُمس أصبحت معاييرها متناقضة ، وصار من اللافت أنه يمكن

أن يقيم البعض الدنيا ولايقعدها بسبب أمور معينة ثم أمام أمور معينة شبيهة بتلك ؛ تجد هذا البعض يلوذ بالصمت المريع .

 فهنالك شخصيات ورموز وطنية ودينية وتاريخية يجري الكتابة أو التصريح بالتعدي عليها والاستهزاء منها والنيل من مكانتها ويمكن وصفها بأقذر المفردات وأقبح الألفاظ ، بل وتصل إلى درجة الإشارة إليهم بالتصريح أو التلميح ( بالحمير ) أعزكم الله . والأسوأ أن هذه الإساءات قد تطال حتى الصحابة رضوان الله عليهم ، تعريضاً أو لمزاً ، وهم الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم  “لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد – يقصد جبل أحد –  ذهبا ما أدرك مدَ أحدهم ولا نصيفه ” . فيمرّ الموضوع – رغم ذلك – سلاماً سلاماً ، دون استنكار أو استهجان ، ودون تحشيد أو مطالبات ، ودون بيانات أو إقالات  بخلاف لو أن تلك الإساءات قد كُتبت بحق آخرين ، هم رموز دينية وتاريخية ، نعلم يقيناً أنهم أقلّ شأنا من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وندرك أن رمزيتهم كعلماء وقادة لدى أتباعهم لاتختلف عن رمزية علماء وقادة لدى الآخرين ، يكون من التناقض تحريم ، بل تجريم المسّ بهم هناك والسماح بالمسّ بأمثالهم عند الآخرين !!

على أن ماحصل للزميل العزيز طارق العامر وجدنا فيه مقدار ضعف محزن ومقلق نعاني منه في مجتمعنا المنقسم إلى جزئين – إن صحّت التسمية – ، جزء يتلاحم ويهبّ ويتناصر بعضه لبعضه وجزء آخر مهلهل ، متشظي ، مثخن بخلافاته ، متخم بمصالحه ، متربص ببعضه ، قليل أو فاقد للحركة وغير قادر على حماية أو دعم أتباعه ، يمكنه أن يرخصهم ويتخلّى عنهم بأبخس الأثمان .

حالة طارق العامر ، ليست هي الأولى وبالتأكيد لن تكون هي الأخيرة ، فلقد كان محزناً صمت الجزء الثاني – إن صحّت التسمية – أمام صراخ وتهديدات الجزء الأول لطارق ! ليس محزناً فحسب وإنما مخيفاً للكثيرين ممن يتوقعون أن يجري عليهم مثلما حدث للعامر . حتى جمعية الصحفيين ، الجهة المفترض مسؤوليتها عن الجسم الصحفي لاذت هذه المرّة بالصمت ، لم تتكلم عن حرية تعبير ، ولم تستنكر إرهاب أو قمع الكلمة ، ولم تبدي انزعاجها من هذه الحملة أو ردّة الفعل المبالغة والمفتعلة ، ولم تبد تخوفاً أو حزناً على منتسبي جسمها الصحفي ، في صورة لاتحتاج إلى كثير تدليل على أن الكتاب والصحفيين هم الأسوأ وضعاً وتقديراً والأقل حماية ، لاضمان يحميهم ولامستقبل يطمئنون إلى أن أرزاقهم محفوظة ، وبالطبع لاظهر لهم يدافع عنهم و( يفزع) لهم . أقصد هنا المحسوبين منهم على الجزء المتشظي المثخن بخلافاته المتخم بمصالحه المشغول بنفسه .. أعرف أن خواطر الانكسار الصحفي عندي وعند غيري كثيرة لكن ” في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء” ..

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s