مفاجآت كثيرة حملتها الحرب الأخيرة على غزة ، وكان بعضها كما الصدمة التي يصعب (الفوقان) منها لولا أنها صدمات ومفاجآت حقيقية رأيناها وتابعناها ، فرحنا لبعضها من مثل اكتشاف صناعة عربية خالصة وغير مكلفة لصناعة صواريخ وطائرات استطلاعية تمكنت من الوصول إلى حاضرة الكيان الصهيوني الغاصب وقصف عاصمته تل أبيب بعد عقود من السنوات لم تتمكن الجيوش العربية من صناعة شيئا من أسلحتها وأنفقت المليارات لشرائها من الشرق والغرب ، ومع ذلك لم تستطع إيصالها إلى العاصمة الصهيونية التي كان الاعتقاد أنها العدو الأول والرئيس، والذي لأجل حربه يجري الاستعداد بشراء الصواريخ والبوارج والمقاتلات بميزانيات ضخمة ، كان هذا الاعتقاد .
لكن المفاجآت المحزنة والصادمة كانت في بزوغ نوعيات عربية جديدة تخلت عن عدائها للصهاينة وتعاطفت مع أسباب نتنياهو في حربه على قطاع غزة ، ليس حبا في اسرائيل وإنما كرها في حماس حتى لو أدت هذه الكراهية إلى القبول – إن لم يكن الفرح – باستباحة ذبح وإراقة الدماء المسلمة على أيدي اليهود ، وقتل مايقارب الألفين شهيد ، نصفهم من النساء والأطفال . هؤلاء ظهرت لهم تسمية جديدة في مصطلحات هذه الأيام ، وهي الصهاينة العرب ، وهؤلاء وأمثالهم لا يستحقون الوقوف على آرائهم ومناقشتهم طالما أن المولى عز وجل قد فصل في أمرهم بقوله تعالى : ” ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ، وماكان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء “
لكن اللافت هو في ظهور ( أشخاص) عاديين نتيجة سيطرة الفئة السابقة ( الصهاينة العرب ) على مراكز التوجيه والرأي العام ؛ صاروا ضد مقاومة حماس للاعتداء والاحتلال ويطالبونها بالكف عن مقارعة الصهاينة حفظا لأرواح أهل غزة ، رجالها ونسائها ، كبارها وصغارها ، ويقولون بعدم أهليتها واستطاعتها على قتالهم ، سواء من ناحية العدد أو العتاد ، وقد فاتهم أن ميزان الجهاد الإسلامي لايجري التفاضل فيه على هذا الأساس ، أساس العدد والعتاد ، فغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم والفتوحات الإسلامية شاهدة على ذلك. حيث جاء في محكم التنزيل “قَال الذين يظُنّون أَنَّهُم مُلاَقُوا اللهِ كم مِّن فئةٍ قَليلَةٍ غَلَبَتْ فئَة كثيرةً بإِذنِ اللهِ واللهُ مع الصَّابرين “
أحد هؤلاء الأشخاص العاديين تجده جالس على أريكته في غرفته المكيفة ، في بيته بين أهله وأولاده ، عنده طعامه وشرابه ودوائه و( كهربته ) ، وأكاد أجزم أنه لا يصبر ساعتين على انقطاع الكهرباء أو أن ينقص عليه شيئاً من الطعام والشراب والدواء ، ومع ذلك تراه يتكلم و( يتفلسف) في أخطاء المقاومة الفلسطينية الذين يدافعون عن شرف الأمة ومقدساتها ويحاربون شرّ خلق الله ويبتغون الخلاص من القتل البطيء الذي يتعرضون له على مدار عشر سنوات ، من حصار ظالم ، بري وجوي وبحري .. لو أن أحدنا قصُر عنه شيء من ( ماشلته ) أو من خبزه ومائه أووقوده لأقام الدنيا ! فما بالكم بمن هو على هذا الحال عشر سنوات ؟!!
من يطالب المقاومة الفلسطينية بالخنوع عليه أن يتصور لو أن مجموعة مسلحة دخلت على عائلة مكونة من أولاد وبنات وأرادوا اغتصاب الأم والبنات تحت تهديد السلاح ،
في هذه الحالة ستكون ردة فعل الأب والأبناء لا تخلو من اثنين: الأول: أن يقاتل الأب والأبناء بما لديهم من أدوات لإنقاذ شرف الأم والبنات ، وفي هذه الحالة سيكون هناك قتلى من الطرفين، ومن المؤكد أن يكون عدد القتلى داخل العائلة أضعاف عدد القتلى بين المعتدين، لعدم تكافؤ القوة ، لكن من المؤكد أن قرار خوض القتال مع المعتدين جعل كلفة الاعتداء عالية على المعتدي مما يجعله يتراجع أو يحسب ألف حساب في المرة الثانية، رغم أن خسائره أقل، لكن هذا القرار المكلف جعل الأم والبنات وأهل الحي جميعا ينظرون إلى الأب والأبناء بإكبار وإجلال رغم الخسائر . وأما النوع الثاني من ردة الفعل : فهو الذي يرى أن حساب القوة تجعل من عراكه مع المعتدين تهور يؤدي إلى فقد أرواح بدلا من أعراض، وهذا النوع يرى أن الحياة أغلى من العرض، لذلك يسمح للمعتدين بهتك عرض الأم والبنات، في هذه الحالة سينقذ الأب أرواح كل العائلة ، لكنه سيفقد شرفه، وستحتقره النساء والحي كله، ولن تشعر العائلة أن في البيت رجال، أما العدو فسيرى أن كلفة الاعتداء ضئيلة، وأنه يمكن أن يكرر الاعتداء كل ما اشتهى . وبالتالي من يتحدثون اليوم عن الكلفة العالية للحرب في غزة وعدم تكافؤ القوة بين الفلسطينيين والصهاينة المعتدين كأنهم يفضلون النوع الثاني من ردة الفعل ، وذلك تماشياً مع حالة التردي والانهزام التي تعيشها أمتنا العربية والإسلامية التي تتيح للغرب والأمريكان واليهود أن يمارسوا (عربدتهم ) أينما وكيفما ومتى شاؤوا في ديارالعرب والمسلمين ، وإذا حاول أحد مقاومتهم وصدّهم انبرى لهم أقوام منّا تطالبه بالتوقف أو الصبر لأن ميزان القوى مختلف .. سانحة :
أبغض أو اكره أفراد أو أحزاب أو جماعات كما تشاء ، لكن احذر أن يطلع الله تعالى على قلبك أو لسانك أو قلمك أو خطبتك أو مالك ؛ فيراك سبحانه جلّ في علاه في خندق الصهاينة ..
أحسنت بارك الله فيك
إعجابإعجاب
لا تسقني كأس الحياة بذلة ولكن بلعز اسقني كأس الحنظل
إعجابإعجاب