راصد

حقّ التقاضي !!

أظن أنه قبل حوالي عام واحد ، أقل أو أكثر؛ اتصل بي أحد القراء ، سألني : لماذا لا تكتب عما جرى تسميته آنذاك بـحركة (30ديسمبر) ؟ ورغم أني لست من المغرمين بالمتابعة أو التغريد في عالم ( التويتر ) إلاّ في حدود مايسمح به وقتي ومعرفتي البسيطة بأدوات هذا العالم لوضع مقال عمودي الصحفي في حسابي ؛ رغم ذلك فقد بحثت واطلعت آنذاك في هذا العالم الافتراضي عن هذا الموضوع فتوصلت إلى قناعة عبّرت عنها في مقال لي نشرته آنذاك حمِل عنوان ( الطنطل ) شرحت فيه أن (الطنطل) عبارة عن أسطورة أو خرافة قديمة تتحدث عن كائن خرافي لاشكل ثابت له ، ويردده العامة بصفته رجل طويل الهيئة أسود الجسم لا تنقص مظهره أية مقومات لإثارة الرعب ، كان الآباء والأمهات يحذرون أبناءهم منه – رغم أنهم يعلمون حقيقة عدم وجوده – لترهيبهم أو لدفعهم للهدوء أو النوم . وتُستخدم أسطورة الطنطل في عالم السياسة أيضاً على شكل سيناريوهات أو مسرحيات أو دعايات عن أحداث وتطوّرات مخيفة سرعان مايتبين عند تحليلها إنها مجرّد فبركات وأكاذيب صيغت على طريقة ( طنطل ) لإلهاء أو لتمرير أو تحقيق أهداف ومصالح معينة . وكان سبب نشري لذاك المقال هو قناعتي بأنه على مايبدو أن الكلام عن (30 ديسمبر ) ربما لايخرج عن ( الطنطل ) .

غير أن الموضوع قد تطوّر آنذاك سريعاً وكثيراً ، وصار حديث الناس ، واشتعلت – أو كادت – فتنة داخل المكوّن السنّي بمجتمعنا ، هذا المكوّن الذي بات حاله يصعب على ( الغلبان ) ، ثم أخذ بعداً آخر ربما لم يتوقعه حتى من كان يقف ورائه ، انتشرت قوائم بأسماء وصور عدد من الأشخاص تم تخوينهم وتسقيطهم وطعنهم في ولائهم وانتمائهم بصورة غير مسبوقة واستخدمت ألفاظ سباب وشتائم غير مألوفة في طبيعتنا البحرينية وموروثاتنا القيمية وقواميسنا الأخلاقية التي مهما اختلفنا أو تنافرنا فإنها لاتصل إلى هذا المستوى من الإسفاف والرخص والابتذال المؤسف .

لا أخفيكم سرّاً أنني ترددت حينذاك كثيراً في الكتابة في الموضوع ، بل وأحجمت رغم شعوري – كصاحب قلم وعمود صحفي – بالمسؤولية الأدبية في الدفاع ليس عن هؤلاء الأشخاص التي نُشرت أسماؤهم وصورهم وشُهّر بهم فحسب وإنما للدفاع عن مباديء وقيم لايصحّ أن نتخلّى عنها على هذا النحو الفجّ . كان سبب إحجامي هو الخوف ! نعم ، الخوف لعدّة أسباب ، أجملها في التالي : أولها : أنه كان من ينكر أو يهوّن أو يستصغر بوجود حركة أو موضوع اسمه (30 ديسمبر ) يجري ضمّه مباشرة ضمن أعضائها ويناله جزء وافر ومماثل من القذف والتشهير . ثانياً : أن هذا القذف والتشهير ضد من وضعوهم كأعضاء في (30 ديسمبر ) أو منكريها أو ما شابههم قد تجاوز في شدّته وبذاءته الخطوط الحمراء ، ولم يعد له سقوف وحدود معينة يقف عندها ، وبالتالي صار من الطبيعي أن يكون هذا الضوء الأخضر مصدر خوف وتردّد . وثالث أسباب الخوف هو أن هذا السباب والتشهير والقذف بعد أن تجاوز السقوف والخطوط الحمراء انتقل إلى الطعن في الزوجات والأمهات والأعراض مما لايقبل به الناس الأسوياء والعائلات الكريمة والمحترمة ممن لايرضون أن تُمسّ أعراضهم وزوجاتهم وأمهاتهم وأبنائهم بهذه الصورة المقيتة .

على أن أكبر أسباب الخوف هو ماجرى من تعطيل لحق معلوم دستورياً ومجتمعياً ، وأعني حق التقاضي ، حيث صار معروفاً أن هنالك حوالي (30) بلاغاً – ربما أقل أو أكثر – ضد أصحاب موجة السب والقذف هذه ؛ لم تأخذ حتى الآن مجراها القانوني والطبيعي ، التعطيل والتجميد لاتزال أسبابه مجهولة ، والشكاوى والبلاغات ضد مثل هذه الحسابات (التويترية) تتكاثر ، وكلّما زادت مدّة التعطيل والتجميد فُتح المجال أكثر فأكثر للتأويلات والشائعات ، ولعل أخطرها أن يُتداول الكلام عن رعاية أو حماية معينة أو تدخل بوقف تلك البلاغات والقضايا يمسّ استمراره هيبة المؤسسات والأجهزة الأمنية والقضائية ويطعن في نزاهتها ومصداقيتها وعدالتها . وبالتالي من يستطيع لومي على إحجامي – آنذاك – لخوفي من القذف والسب والتشهير ليس لشخصي فحسب وإنما قد يمتدّ أيضاً لعرضي وأهلي كما فُعل بغيري ، ثم فوق ذلك ، والأسوأ منه أنه ليس لي حق التقاضي أو هو حق مؤجل حتى إشعار آخر .

صحيح أنه على المستوى الشخصي ؛ تعرّضت غير مرّة لصور تشويه وافتراءات مماثلة – ربما أقلّ مما تعرّض له غيري – وآثرت بناء على نصائح عدم تقديم بلاغات وشكاوى طالما أن القضايا والبلاغات المشابهة معطلة ومجمدة لأسباب مجهولة ؛ لكن الأصح هو أن هذا الحق – حق التقاضي – يجب أن يبقى محفوظاً لجميع المواطنين والمقيمين ، مبرءأ ومحمياً من أي تدخلات تضيّعه أو تمسّه وتسيء إليه ، وكنا نتمنى أن يُضاف إلى التصريح الصادر يوم أمس ، المحذر من سوء استغلال المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي فقرة تقول لأصحاب تلك البلاغات والشكاوى أن حقكم في التقاضي محفوظ – وأن كرامتكم واحترامكم وأمنكم الاجتماعي أيضاً محفوظ كما هو محفوظ لسائر الأفراد والعائلات – وسيجري تحريكها بحسب الحقوق الدستورية والقانونية التي ترعاها الدولة وتمنع الاعتداء عليها أو تعطيلها.

سانحة :

ينصّ البند (و) من المادة (20) من الدستور على : حق التقاضي مكفول وفقاً للقانون.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s