بين حين وآخر يظهر علينا وزراء ومسؤولون بأرقام مثيرة للفزع ومدعاة للقلق تتعلق بإحصائيات عن أعداد العمالة الأجنبية الهاربة أو خدم المنازل الهاربين ، وهي أرقام لاتتناسب أحجامها مع المنطق والعقل ، حيث أنه من غير المتصوّر أن بلداً في مساحته لاتتعدّى – ربما – (700) كم ، وسكانه أكثر من المليون نسمة بقليل ، ومع ذلك توجد فيه عشرات الآلاف من العمالة الأجنبية الهاربة يرسخون في مجتمعنا مشكلة آخذة في التزايد ، تتعمّق آثارها وتتمدّد أخطارها اقتصاديا واجتماعيا فضلاً عن الضرر البالغ على الهوية العربية التي صرنا نضع قلوبنا على أيدينا خوفاً من ضياع أو تناقص معالمها .
ليست العمالة الأجنبية الهاربة هي المشكلة الوحيدة وإنما هنالك مشكلة أخرى مماثلة لها تتعلق بخدم المنازل الهاربين ، الذين صرح سعادة وزير العمل قبل حوالي يومين عن أعدادهم بأنهم يصلون إلى عشرة آلاف خادمة هاربة .
في شهر يونيو من العام الماضي 2013م صرح الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل بأن هناك حوالي (52) ألف عامل وافد يعيشون في البحرين بدون أذون عمل رسمية !! ولاندري هل هؤلاء يُعدّون ضمن العمالة الهاربة أم أنهم تصنيف و( حكاية ) أخرى !!
تصوروا حجم هذه الأعداد من العمالة الأجنبية الهاربة و العمالة الأجنبية غير المرخصة ومعهم عشرة آلاف خادمة هاربة ، كلهم موجودين بين ظهرانينا ، داخل مجتمعنا ، ويُراد لنا التصديق أن عمليات هروبهم – بهذه الأعداد الكبيرة – غير منظمة ، وأنه لا يوجد من يُسهّل لهم الهروب ، ولا يوجد من يأويهم ، ولا يوجد من يُوفر لهم أعمال بديلة ، ولا يوجد من يستغلهم ويتكسّب منهم و( يعلف عليهم ) ، ولا يوجد من يرشدهم ويوجههم . وتبعاً لذلك لا توجد حاجة جدية لملاحقتهم والقبض عليهم في أوكارهم ومآويهم ومعاقبتهم وحفظ حقوق الكفلاء وأموالهم وحماية المجتمع من أخطارهم .
أعتقد أن بعض المشكلات والقضايا حينما تكون قليلة فإنها توصف بأنها محدودة ، لا أثر لها ، لكنها إن زادت ، وصارت أرقامها بالآلاف أو تجاوزت العشرات من الآلاف ، فإنها تشكّل ظاهرة تستوجب الوقوف عندها . ولا أعتقد أن أحداً يمكن أن يخالفني الرأي في أن ظاهرة هروب العمالة الأجنبية في العموم وخدم المنازل على وجه الخصوص إنما هي ظاهرة مستشرية تستلزم التصدّي لها ، ولايمكن القبول بأن تتحوّل إلى أخطار موقوتة نتساهل أو يتأخر استئصالها لتبقى مثل غيرها من ظواهر التسيب والانفلات التي نتركها حتى تتضخم وتكون عصيّة على العلاج أو دون حلّ .. سانحة :
نتمنى أن تكون عملية انتقال تراخيص خدم المنازل إلى هيئة تنظيم سوق العمل في صالح تقديم تسهيلات أكثر وأسرع ، وأن يجري التفكير مليّاً في ضبط عمليات هروب الخدم . لكن اللافت في التصاريح والإعلانات المنشورة عن عملية الانتقال هذه وجود عبارة أن الرسوم ستبقى نفسها ولن تتغير ( حالياً ) ، حيث أن كلمة ( حالياً ) لاتدعو إلا للاطمئنان المؤقت ..