تأسرني أو تحيرني كثيراً ظواهر التغير في المواقف والتبدّل في المباديء خاصة إن كانت درجتها تتجاوز الـ (180) درجة أو صارت من اليمين إلى اليسار أو من الشيء إلى نقيضه بصورة لايمكن فهمها أو تبريرها إلاّ في إطار القبح الذي أصبح يلف جوانب كثيرة من حياتنا .
في سابق السنين والأيام – مثلاً – كانت الجماهير الغاضبة والمبغضة لأمريكا تجعل من أعلامها مداساً لأحذيتها ،وتتسابق لإحراق تلك الأعلام ، بل لطاما اهتزت الأرض من الدوس على تلك الأعلام .
كانت لمسيرات الغضب والاستنكار صيحات من مثل ( الموت لأمريكا ) أو ( أمريكا هي هي .. أمريكا رأس الحية ) وكان آخرون من شدّة كرههم وبغضهم لأمريكا يسمونها ( الشيطان الأكبر ) .
اليوم اختفت – أو كادت – كل تلك المظاهر والشعارات ، وحلّ مكانها تحالف وحبّ دافيء ، وتم تدجين العقول من أجل قبول عدوّ الأمس وذبح مباديء الولاء والبراء على مقاصل غريبة ، يُباع فيها الدين والوطن .
غير أن تلك الظواهر ، ظواهر الحب والكره ، وتغير المواقف وتبدّل المباديء ؛ ليست شأنا سياسياً فحسب ، وإنما هي أيضاً شأناً أخلاقيا يُصاب به الأفراد كما الجماعات ، وكما الدول . ويحضرنا في مثل هذا المقام قصة الشاعر أبو الطيب المتنبي مع كافور الأخشيدي حاكم مصر حيث أفرط الأول في مدح الثاني عندما أجزل له العطاء ، فقال عنه :
قواصد كافـور تـوارك غيـره و من قصد البحر استقل السواقيا
فجاءت بنا إنسان عيـن زمانـه وخلَّتْ بياضـــاً خلفهـا ومآقيــا
وقال عنه أيضاً :
وما طربي لما رأيتك بدعة لقد كنت أرجو ان اراك فأطرب
وتعذلني فيك القوافي وهمتي كأني بمـدح قبــل مدحـك مـذنب
وعندما اختلفا ، ونقُص العطاء وتضاربت المصالح قام المتنبي بنظم قصيدة هجاء في كافور ، جاء فيها :
العبـد ليس لـحرّ صالـح بـأخ لو أنه فـي ثيـاب الـحرّ مولـود
لاتشتـر العبـد إلا والعصا معـه أن العبيـد لأنـجاس مناكيــد
سانحة :
” عندما يكون الإنسان مثل قطعة النقود يحمل وجهين مختلفين .. فحتما سيقضي عمره متنقلاً بين جيوب الناس “