أعرف أن ما سأذكره في مقالي هذا قد سبقه الفوت ، وأعرف أنه – ربما- يُغضب أو لايُعجب البعض ؛ ولكنه دعوة للتأمل في ظل ما يشبه السباق لكسب المعارضة واسترضائها وخطب ودّها وحملها على المشاركة في العملية الانتخابية القادمة وثنيها عن خيار المقاطعة ، وبالتالي إنهاء حال الأزمة والصراع السياسي في البلاد . وهذه الأهداف يسعى لها الجميع لأن مآلها تحقيق الأمن والاستقرار اللذين هما ركيزتا أية طموحات في التنمية الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية .
غير أنه بات واضحاً في خضم هذا السباق أن طرفاً ما تجري على حسابه هذه التسويات ، سواء المعلنة أو غير المعلنة ، وذلك من دون أن يكون لهذا الطرف رأي أو ممثل أو رمز واضح ومعروف – كما الآخرين في المعارضة – بصورة توحي بوجوده ضمن أطراف المعادلة السياسية أو يُفهم منها مدى فاعليته وتأثيره وفرض شروطه ورؤيته في رسم مستقبل الوطن بدلاً من أن يكون في الغالب الأعم في موقف الموافقة على كل شيء ، حتى لو كانت على حساب اقتطاع شيء من مكتسباته .
ومن هذه المكتسبات التي كانت لهذا الطرف ( غير الفاعل ) وسيتم انتزاع شيء منها ؛ هي الدوائر الانتخابية حيث يدور الحديث الآن عن تعديلها وإعادة توزيعها بما يضمن زيادة حصة طرف المعارضة ، وتحقق لهم زيادة أو غلبة تمثيل لاتقف خطورتها على مجرّد أخذ مجمعات ومناطق سكنية معينة وضمّها إلى دوائر أخرى فحسب ، وإنما الغلبة في التمثيل النيابي قد يُستدلّ بها على هويّة المملكة وانتمائها ، والخشية أن يُقال في قادم الأيام – تبعاً لهذه التعديلات ومن ثم مخرجاتها – أن البحرين ليست إلى المصبّ الرئيس للإسلام الذي هو أهل السنة والجماعة ، خاصة في ظل متغيرات إقليمية خطيرة تجري في هذا الشأن . كما أن التغيير في الدوائر الانتخابية قد تُستخدم أو تُستغل للتدليل في دعاوى الأكثرية والأقلية أو ( سالفة ) السكان الأصليين وغير الأصليين أو ما شابه ذلك من استدلالات هي لاتصبّ في صالح الطرف الذي إن أردنا تلطيف مسمّاه قلنا ( الطرف غير الفاعل ) .
إن توزيع الدوائر الانتخابية ، بحسب المعايير الدولية لايخضع للكثافة السكانية فقط ، بالرغم من أنه معيار هام ورئيسي ، ولكن هنالك معايير أخرى تتمثل في الموقع الجغرافي والأصل التاريخي والترابط الاجتماعي والمصالح الاقتصادية والمرافق الخدماتية ، كما أن وجود مناطق يجري فيها تكاثر بشري ربما هو محسوب لأغراض ديموغرافية أو أهداف ما لايبرر هضم حقوق آخرين في مناطق يتكاثر أهلها بشكل ومعدلات طبيعية . سانحة :
الطرف المعارض تمثله جمعيات متماسكة بعينها ، وإن شئتم قلنا جمعية واحدة . بينما الطرف الذي نظن أنه تُنتزع منه دوائره ومكاسبه ؛ ، يتوزع تمثيله بين جمعيات عديدة ومستقلين وأعيان و… إلخ ، ومشغول بنفسه وانقساماته وأمور أخرى ليس من بينها هذه التسويات أو التوافقات المتعلقة بالدوائر والتوزير وتشكيل الحكومة وتعيينات الشورى ، بل أن حتى عدد المرشحين الآن للاستحقاق النيابي والبلدي قارب (190) مرشحاً قبل أن يُفتح باب الترشيحات ، وحتى قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود في تلك الانتخابات !!