أتساءل دائماً – وكتبت ذلك سابقاً – عند اقتراب الاستحقاق الانتخابي النيابي ، ومع تزايد أعداد المعلنين عن نيتهم الترشح لقبّة البرلمان عن سرّ أو أسباب الغياب اللافت لفئات وشرائح تعتبر أركان هامّة تقوم عليها المجالس النيابية والتشريعية في كثرة من دول العالم خاصة الدول المتقدّمة التي يصعب تسليم مهام التشريع والرقابة فيها إلاّ للنخب المؤهلة والقادرة من المجتمع مثل وزراء أو سفراء أو رجال قانون ومحامين أو رجال اقتصاد أو أطباء أو مهندسين أو رؤساء وأساتذة جامعات أو مدراء بنوك ومؤسسات مالية واقتصادية أو خبراء ومستشارين وما شابههم من كفاءات وأصحاب مهن وتخصصات ومؤهلات علمية معتبرة تقوى بهم تلك المجالس ويتمكنون من رفد مسيرة بلدانهم في مجالات التنمية والبناء بالشراكة مع الحكومة ومؤسسات الدولة .
إن أي استعراض سريع لهذه الأعداد المتزايدة من المترشحين النيابيين هذه الأيام سيلحظ هذا الغياب اللافت أو هو الفاجع في حقيقته ، ولن يجد في عمومهم إلاّ مستويات متواضعة في إمكانياتها ومؤهلاتها وقدراتها ، ولاتتعدّى بضاعتهم وبرامجهم الانتخابية سوى موضوعات وأمور بلدية وخدمية ليست في صلب اختصاصات المجالس النيابية ولاتدخل في نطاق مهامها المطلوبة ، وإنما مجالها المجالس البلدية التي صارت أعمالها واختصاصاتها محلاًّ للتنافس – وربما الصراع – على الإنجاز من أجل كسب الأصوات ونيل رضا الناخبين الذين لأسباب ما ، غالبها تتعلق بضعف الوعي والثقافة السائدة ؛ اختلطت عليهم المهام النيابية والبلدية ، ودمجوا الاثنين في واحد ، وأصبح مقدار الإنجاز والنجاح يُقاس بأداء وماينفذه الاثنان ( النائب والعضو البلدي ) في دائرتهما بغض النظرعن المهام والمسؤوليات والصلاحيات المطلوبة دستورياً وقانونياً من كل منهما .
وتبعاً لذلك ؛ فقد نتج عن هذا الدمج والخلط أن الذي يتقدّم صفوف المترشحين للمجلس النيابي أو المجالس البلدية يقيمون فعاليات متقاربة ويطرحون برامج متشابهة ، وغالباً لايرون الفرق بين النيابي والبلدي اعتماداً على أن الوعي الجمعي للناخبين لايميز بينهما ، ولايتفهم وظيفة وحاجة العمل النيابي للعلم والمعرفة والخبرة والتخصص والتنوع بقدر ما تستقطبه الخدمات والمتابعات البلدية والمرفقية والخيرية مما هي في غالبها أعمال لاعلاقة لها بالشأن البرلماني، أو هكذا يُفترض .
في هذه الأيام ، عند استعراض قوائم المعلنين عن نيتهم ترشيح أنفسهم للاستحقاق النيابي ؛ تدور في مخيلتي قضايا ومشكلات كبرى مثل مواجهة الدين العام الذي يكبر ولايصغر ، وهو الآن بالمليارات الدنانير ، ومثل الأزمة الإسكانية الطاحنة وقوائم الانتظار فيها التي تجاوزت أعدادها خانة الـ (50) ألف طلب ، والعجز الاكتواري في صناديق التقاعد الذي بات يحول دون الشروع في إكساب المتقاعدين أية زيادة أو ميزة ، ومعه المطالب الشعبية بزيادة الرواتب ، سواء في القطاع العام أو الخاص ، وقضايا مثل الدعم الحكومي لبعض السلع والوقود والخدمات والتوجه المحلي والإقليمي لإعادة النظر فيها وتوجيهها إلى مستحقيها أو خفضها أو قطعها ، وقضايا التضخم وغلاء الأسعار ، وأخرى تخص الصحة كالتأمين الصحي ومدى قدرة الدولة على الاستمرار في تقديم العلاج المجاني بذات الجودة واستطاعتها استيعاب المقيمين والأجانب في مستشفياتها ومراكزها الصحية ، ومثله قضايا التعليم ومواكبة مستجداته ومناسبة مخرجاته لسوق العمل . ثم استذكر الوضع الأمني والسياسي ، وأتذكّر المنظمات والاتحادات والمحافل البرلمانية ، الإقليمية والعربية والدولية ، ويمرّ في فكري طيف رؤية البحرين للعام 2030 ، واستذكر قضايا وموضوعات كثيرة تخصّ حاضر البلاد ومستقبلها ؛ فلا أملك حينئذ إلاّ أن أضع يدي على قلبي خوفاً وقلقاً على هؤلاء المرشحين الذين جلّ طروحاتهم لاتتجاوز طرقات دائرتهم وحدائقها وسواحلها وماشابه ذلك ، وبينما مؤهلاتهم وخبراتهم وكفاءاتهم من شدّة تواضعها هي كما ترون وتسمعون .
سانحة :
كلنا يعلم أن الحكومة – كأي حكومة – تمتلك لتسيير أعمالها وتنفيذ خططها كفاءات وقدرات وخبرات يستلزم معها أن يكون من يراقبها ويتابع تنفيذها لبرامجها ويحاسبها على تقصيرها إن لم يكن أفضل منها فعلى الأقل في ذات مستوياتها .