بينما تُسرع الخطى – وربما تتراكض – ويتسابق الوسطاء لتقديم مبادرات أو قرابين أو حلول أو صفقات لترضية طرف معين في المجتمع ( المعارضة ) بغية دفعه للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بعدما قرّر هذا الطرف أو ( لوّح ) بالمقاطعة . بينما الأمر كذلك ؛ يبرز في الجهة المقابلة ، الطرف الآخر الذي يرى أنه لايُأبه به ولايسترضيه أحد ، ولاتتسابق إليه الخطى رغم أن هنالك كلام لايُستهان به عن مقاطعة محتملة من هذا الطرف للانتخابات القادمة ، قد تكون كبيرة – لاسمح الله – وعفوية وغير منظمة ، هي ناتجة عن شعورعام بالإحباط يرجع في غالب أسبابه إلى الأداء النيابي لكنه لايخلو أيضاً من إحساس بإهماله وعدم الاكتراث بوجوده وعدم الاهتمام بدعمه ، وتوجيه غالب الجهود لترضية ذاك الطرف المعين ( المعارضة ) والخضوع لابتزازاته وضغوطاته .
لايستطيع أي مراقب منصف ومخلص إلاّ أن يبدي مخاوفه من أن هذا الشعور العام بالإحباط قد يترجمه شارع هذا الطرف إلى إعراض وعدم مشاركة فاعلة في الاستحقاق الانتخابي الذي تترقبه البحرين ، وبدأ العد التنازلي له . حتى أتباع وقواعد ومؤيدي الجمعيات السياسية التابعة لهذا الطرف باتت غير متشجعة ، ولاتبدي حماسها السابق للانتخابات ، سواء كمرشحين أو كناخبين ، خاصة بعدما تم في الانتخابات السابقة محاربة وإقصاء هذه الجمعيات السياسية عن البرلمان الحالي وتغييبها من المشهد السياسي ، من خلال أذرع و(ماكينات) إعلامية ضخمة لم تكتف بتشويه السمعة والأداء فحسب وإنما ألّبت الشارع – بالطبع الشارع السّني – على فكرة ومفهوم الجمعيات السياسية ، ونشرت فهماً مغلوطاً يتعلق بإمكانية أن يكون العمل البرلماني بدون أحزاب وكتل ، وهو الأمر غير المعمول به في أكثر برلمانات العالم .
وكان من نتائج هذا الإقصاء الممنهج آنذاك أن جمعية الوفاق استطاعت الاستحواذ على مايقارب نصف مقاعد البرلمان (18) نائباً – قبل استقالتهم – بينما جمعيات الطرف الآخر المستهدف بـ(الأذرع والمكائن ) فكانت أعدادهم قليلة ، على أصابع اليد الواحدة . رغم أن منطق الأشياء يقول بضروة إيجاد ندّ في المجتمع يضاهي قوّة وسطوة الجمعيات الأخرى أو على الأقل خلق توازن بين جمعيات كل أطراف المعادلة السياسية في البلاد ، هكذا يُفترض لولا أنه في الحالة الراهنة ، وهذه الحالة الخاصة التي تحتاج فيها الدولة الآن إلى مشاركة واسعة وناجحة في الانتخابات المقبلة ؛ يجري الآن – دون استفادة من الدروس السابقة – إعادة تشغيل ذات (الأذرع والمكائن ) المشغلة في الانتخابات السابقة ، بذات الصياغات والحملات والأهداف ، في حين أن المفترض في ظل أوساط مجتمعية موزعة مابين مقاطعين ومحبطين ومترددين وغير متحمسين أن تتوقف تلك (الأذرع والمكائن ) وأن تُستبدل بروح جديدة مفعمة بالحب والعطاء للبحرين ، تعمل على دفع وتشجيع جميع مكوّنات المجتمع ، سواء جمعيات أو مستقلين للمشاركة الفاعلة في الانتخابات ، تبين أهمية استخدام هذا الحق الدستوري وتدعو إلى عدم التفريط به ، وتنأى عن رسم وصناعة أية حساسيات أو تشويهات أو تصفية حسابات ، قد تزيد السوء سوءا ، خاصة في شارع نحتاج – فعلاً – إلى نهوضه وإزالة إحباطه ودفعه بكل قوّة للمشاركة الواسعة في عرس البحرين الانتخابي القادم . سانحة :
يقول افلاطون ” الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لامبالاتهم بالشؤون العامة هو أن يحكمهم الأشرار ” .