الإمكانيات التقنية الموجودة في أدوات التواصل الاجتماعي على تنوّعها أتاحت لمجاميع من الفاشلين أو الشواذ أو المنبوذين في دنيا الناس التعبير عما في نفوسهم ، سواء بتقمّص ألقاب تزيل عقد نقص وخراب لديهم أو ببث أحقادهم وسمومهم التي لم يتمكنوا من إظهارها من خلال شخوصهم الحقيقية ، لعيب ما ، قد يتعلق بطبيعتهم أو برغبتهم في نشر أكاذيب وفبركات غير معروفة مصادرها . وتبعاً لذلك برزت على مختلف شبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي العديد من الشخصيات التي تحمل في الغالب أسماء مجهولة ، تكتب تحليلات وتبث أخبار وتسجيلات وفبركات وسباب وقذف بشكل مستمر ، وصار لهم متابعين واهتمام ، وأطلقت عليهم مسميات نشطاء من وراء ستار أو وراء ( الكيبورد ) ! بصورة تشير إلى إن اختباء هذا البعض وراء أسماء وألقاب مستعارة لتحقيق أهداف ومآرب نفسية أو مدفوعة الأجر تذكر دائماً بقصة الفأرة الجبانة والقط ، حيث يمرح ويسرح الفأر في القاذورات ويعبث بممتلكات الناس ومكاسبهم ويغرس فيهم أنيابه الآسنة ويستفز مشاعرهم مستفيداً من الفرص التي يتيحها له ظلام الليل والتخفي من خلف ( الكيبورد ) وراء أسماء وصفات غير حقيقية !
زيادة مثل هذه الظاهرة مكّن من استغلالها بواسطة أطراف أو شخصيات في زرع بذور فتن وخلق أحداث وتزوير معلومات وضرب آخرين والتعدّي عليهم من دون أن تجري أية محاولات جادّة لوقفها خاصة مع وجود بعض ألقاب ومسميات مجهولة لكنها مدعومة ومحصنة تفعل وتسبّ وتقذف من غير أن يطالها القانون .
على أن الأسوأ في الأمر كلّه هو أن يجري تناقل مايكتبه ويرسله هؤلاء و( كوبي بيست ) في القروبات والمجموعات ، فتُعطى انتشاراً لاتستحقّه وتفاعلاً ليست أهلاً له ، لما فيها من – أخبار ومعلومات وتسجيلات – تنقصها الحقيقة وتكثر فيها الإساءة ، لكننا صرنا في الأعم الأغلب ننساق في وسط معمعتها ولايهمنا صحتها وصدقها ، ونغفل التوجيه الرباني في محكم التنزيل : ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ” .
في اعتقادي أن المطلوب من الأسوياء من الناس تحجيم هذه النوعية المشار إليها في قصة ” الفأرة الجبانة والقط ” وألاّ نستخدم رسائلهم وتغريداتهم و(برودكاستهم) مثلما يقولون كما ( الطاير في العجّة ) . وهو مثل شعبي يُقال لمن يتلقف الأخبار ويعتمدها وينشرها من دون التثبت والتبين منها .