راصد

“خُذْ رشوته وصَوِّتْ لغيره”

الرشوة في اللغة هي ما يُعطَى لقَضاء مصلَحة ، وجَمْعُها رُشًا ورِشًا . والرشوة في الاصطلاح : مايُعطَى لإبطال حقّ أو لإحقاق باطل . وأما حكمها الشرعي فهو ما رواه بإسناد صحيح عَبد اللَّه بن عمر حيث قَالَ : ” لَعَنَ رسولُ اللَّه صلَى اللَّه عليه وسلَّم الرَّاشِي والْمُرْتَشي والرائش ” واللعن في اللغة والاصطلاح هو الطرد من رحمة الله . ويقول العلماء أنّ الثلاثة ( الراشي والمرتشي والرائش) في الإثم سواء .
وعادة ما يكون للانتخابات في الكثير من البلدان – خاصة العربية والإسلامية منها – نصيب وافر مما يُسمى بالرشاوى الانتخابية أو يجري تحسينها وتخفيفها بمسمى ( استخدام المال السياسي) لشراء أصوات وذمم الناخبين ، سواء بهدايا مالية أو عطايا عينية كأجهزة تكييف أو ثلاجات أو غسالات أو ماشابهها مما هو شائع الكلام عنها عند كل استحقاق انتخابي .
الكثرة الغالبة من الناس ترى حرمة استلامها واعتبارها ضمن الرشاوى المحرّمة شرعاً وعرفاً فضلاً عن امتهانها واسترخاصها لقيمة أصواتهم التي يجب إعلاء شأنها وإبعادها عن أية تجاذبات رخيصة ومهينة . لكن البعض الآخر ينظر لها من باب المصلحة الذاتية أو بصورة أدق يقبلونها بقولهم ( على الأقل نستفيد من النواب بشيء ) على اعتبار أنهم لايرون إنجازات يحسّون بها ، خاصة وأن النظرة العامة عند الناس للإنجاز النيابي هو مايدخل وتستفيد منه جيوبهم .
غير أن هنالك توجه لدى آخرين عنوانه “خُذْ رشوته وصَوِّتْ لغيره ” حيث يجمعون فيه بين الاستفادة منها وكذلك عقاب المترشح الراشي بأن يحرموه من أصواتهم اعتماداً على أن من استهان بقيمتهم واسترخص أصواتهم وتجرّأ على الرشوة لايمكن تأمينه على ماهو أكبر في هذا الوطن العزيز .
“خُذْ رشوته وصَوِّتْ لغيره ” أيضاً هي عنوان فتوى فلسطينية صدرت عن رابطة علماء فلسطين عام 2005م ارتأت أن الأموال التي تُقدّم للمواطنين رشوة لتزوير الانتخابات وإعطاء صوتهم لمن لا يستحقه لا ضير أن يأخذوها ودعت فيها المواطنين إلى انتخاب من يعتقدون أنه الأصلح والأكفأ، ومخالفة أي أيْمان قد يكونوا اضطروا إليها تحت ضغوط أو إحراجات لانتخاب قوائم بعينها، مؤكدة أن مثل هذه الأيْمان تُعتبر باطلة شرعا، موضحة كذلك جواز استفادة المحتاجين من الأموال التي يدفعها البعض كرشوة مقابل انتخابهم. وأوضحت الرابطة في الفتوى الشرعية التي أصدرتها إثر ورود سؤال إليها من أحد المواطنين ، يقول فيه ” قمت بحلف يمين بأن أنتخب قائمة معينة مترشحة للانتخابات البلدية، وقد أقسمت هذا القسم تحت ضغوط شديدة وإحراجات كبيرة مع قناعتي، بأن هذه القائمة التي أقسمت لها لا تستحق صوتي، والدين والضمير يفرضان علي انتخاب قائمة أخرى، فصرتُ واقعاً بين ضغط القسم الذي أقسمته مكرهاً ومحرجاً، وبين نداء الضمير” أنه في مثل هذه الحالة يجوز للمواطن أن يتحلّل من يمينه. وأكدت رابطة علماء فلسطين أيضا أن ” الانتخاب أمانة، فهي من عظيم الأمانات التي يجب أن تُؤدى وفق رضى الله سبحانه وتعالى، وذلك لما لها من الأثر الخطير في واقع الحياة الإنسانية؛ فلا يجوز للإنسان أن يترك انتخاب من يعتقده الأصلح فينتخب سواه “.

وقالت رابطة علماء فلسطين في الفتوى ” اليمين التي ذكرت في السؤال، هي يمين إكراه ، يجب على الحالف أن يحنث فيها، ويجب عليه أن ينتخب من يظنه الأصلح، ثم لا كفارة عليه لما في اليمين من إكراه؛ دليله ما ورد عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عن أُمَّتي الخطَأَ والنسْيانَ وما اسْتُكْرِهوا عليْهِ) “. وأشارت الرابطة أيضا إلى أنه إذا حلف الحالف دون أن يكون مكرها، فيجب عليه ـ أيضا ـ الحنث في يمينه، ويجب عليه أن ينتخب من يظنه الأصلح، وتجب عليه إضافة لذلك الكفارة؛ مستدلة بـ ” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:…. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (من حَلَفَ علَى يَمينٍ فرَأَى غيْرَها خيرًا منها فلْيَأْتها ولْيُكَفِّرْ عن يَمينِه)، وقالت “من حلف على معصية الله سبحانه وتعالى لا يجوز له الوفاء بيمينه، بل يجب عليه الحنث فيها، ثم يكفر عنها”.
وقالت أيضاً ” إننا في رابطة علماء فلسطين نتوجه إلى أبناء شعبنا جميعا إلى ضرورة الالتزام بقيم ديننا وأخلاقنا، وإعطاء كل إنسان حقه في انتخاب يعبر فيه عن إرادة حقيقية، فلا يجوز لأحد أن يكره أحداً، وذلك على درب مسيرةِ حقٍّ وعدلٍ وحريةٍ وكرامةٍ، تأخذ بأيدينا جميعا إلى الخير والصلاح “.
وفيما يتعلق بالأموال أو الكوبونات التي يدفعها بعض المترشحين مقابل انتخابهم، قالت رابطة علماء فلسطين ” الأموال أو الأشياء التي تُقدم للمواطنين رشوة لتزوير الانتخابات وإعطاء صوتهم لمن لا يستحقه، لا ضير أن يأخذوها إن كانوا محتاجين لها، بشرط أن ينتخبوا الأصلح والأقوم والأقدر على حمل هذه المسئولية ، والتي هي أمانة. وأما إن كان الآخذ غير محتاج لما يُقدّم إليه من رشوة فعليه أن يأخذها – ولا يردها إلى الراشي بأي حال من الأحوال – وأن يقوم بالتصدّق بها على من يستحقها من الفقراء والمساكين والمحتاجين “. انتهى .
سانحة :
عدد من الأئمة والمشايخ الذين كلفتهم الأوقاف السنية بالوعظ والإرشاد خلال شهر رمضان المبارك الماضي مثلما جرت عليه العادة سنويا ؛ لم يتم حتى الآن تسليمهم مكافأتهم المالية المعتمدة نظير هذا التكليف .. نرجو أن يكون المانع خيراً ..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s