أكاد أن أجزم أن قليلين جداً من الناس عندنا قد سمعوا أو قرأوا عن مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية في القرآن الكريم ، في دورتها السادسة والثلاثين ، التي أقيمت خلال الشهر الحالي في الرحاب الطاهرة ، مكة المكرمة ، في المسجد الحرام بتوسعة الملك عبدالله التاريخية ، وشارك فيها (138) متسابقاً من حفظة القرآن الكريم كاملاً من مختلف دول العالم .
وكان من بين المتسابقين الـ(138) ابننا النجيب إبراهيم ابن المربي الفاضل خليفة حمدان حيث جرت الاختبارات والتصفيات ليترشح منهم (10) متسابقين للتصفية النهائية ، فكان البحريني ابراهيم هو البطل الخامس في هذه المسابقة الكبرى التي تحتضنها وترعاها المملكة العربية السعودية وقام بتكريمه وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف .
ولأن سلَم أولوياتنا مائل وقائمة اهتماماتنا ناقصة فإنه لم يعرف بهذا المكسب البحريني إلاّ القليلون ، ولم يُحتفى به ، لالشيء سوى أنه لم يُعتد الاهتمام بمثل هذه المسابقات والبطولات حيث تتوجه الأضواء إلى مسابقات محلية وإقليمية وعالمية من نوع آخر ، قد يكون غالبها في مجالات الرياضة والفنون حتى صار ذلك الأمر والاهتمام بمثابة سلوك طاغِ ، أفِلت منه العلوم وغاب عنه الفكر وانحسرت منه الثقافة – بمفهومها الصحيح وليست ثقافة الهشّك بشّك – وتهمّش تبعاً لذلك دور المثقفين وخفت صيت المفكرين وضاع إنتاجهم ، وصار من الطبيعي أن يموت الشاعر الهمام فلا يعرف بموته أحد ، أو يبدع أحد الباحثين أو يكتشف أحد الموهوبين أو يفوز أحد المبرزين في مجالات العلوم والمعرفة فلا يأبه بهم أحد ، وغالباً لايجد كل هؤلاء من يعرفهم أو لا يشار إليهم بالفضل والبنان إلا فيما ندر ، وعلى استحياء .
في المقابل برز نجم الفنانين والرياضيين و…إلخ ، وأفردت لهم صفحات ومجلات وملاحق ، بل وحتى قنوات فضائية خاصة بهم ، بل انتشرت وتضاعفت ظواهر الافتتان – وربما- الهيام بالفنانين واللاعبين ، وأصبحت سيرهم وأخبارهم وتحركاتهم وحتى ملابسهم ، محفوظة عن ظهر غيب عند الصغار قبل الكبار ، وذلك إفراز سيء نحتاج معه إلى أن تعيد الدولة تصنيف النجوم وحماية مفهوم الأبطال ليستطيع الآباء والمربون الإشارة إليهم بكل فخر واعتزاز ليقتدي بهم أبناءهم وتلاميذهم .
إبراهيم حمدان ، ليس وحده من حفظة القرآن الكريم الذين يرفعون اسم البحرين عالياً في مثل تلك المسابقات والبطولات ، وإنما هنالك أمثاله كثيرون ممن نفخر بهم ونرفع لهم ( العقال) ونتمنى أن يعتدل في يوم ما السلّم المائل لنكتشف أن هؤلاء الأبطال أفضل وأعلى منزلة من كثيرين غيرهم تتسابق إليهم الآن الأضواء والكاميرات والتكريمات ..
وتذكروا دائماً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال :” إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ” .
سانحة :
يُخيل لي أنه في فترة الاستحقاق الانتخابي يحدث لكثير من الوجوه أحد أمرين : إما أنها تتبدّل فتلبس أقنعة لتظهر على الناس بأشكال ومضامين جديدة لم يعرفوها فيهم . أو أن وجوهاً تسقط عنها أقنعة كان الناس قد ألفوهم وخبروهم بها ، فلا الحلال يبقى على حاله ولا الحرام صامد عن انتهاكه ، مباديء تُخترق ومعايير تتغير ، إخوة يتباعدون وأعداء يتقاربون . فيا سبحان الله .