بعض العاملين في (الماكينة) الإعلامية بمختلف أدواتها وأنواعها والجهات والاطراف التابعين لها ظلوا يرددون منذ البداية أن الانتخابات البحرينية ليس فيها فائز وخاسر ، فالكل فائز ، وعلى ذلك صارت في الفترة الأخيرة جل كتاباتهم وتعليقاتهم تتمحور في ذلك ، من باب تشجيع المشاركة الانتخابية ، ومن باب أن العدد الكبير من المترشحين إنما جاء لتفوز البحرين كلها وبأبنائها في معتركها الانتخابي ، وجاء استجابة لنداء الوطن لتفويت الفرصة على آخرين لم يريدوا لهذا الاستحقاق أن يمر بشكل طبيعي .
كانت كلمة الفوز أو الخسارة غير مستخدمة عند هذا البعض لأن واقع الأمر – بالفعل- أن الوطن هو الذي فاز ، من رشح ومن انتخب ، ومن وصل للقبة ومن لم يصل ، كلهم سواء ،و هو بالضبط الفهم الذي حرصت ( الماكينة) الإعلامية على نشره وترسيخه عن هذا الكم الكبير وغير المسبوق من المترشحين ، سواء النيابيين أو البلديين . لكن ذلك لم يستمر طويلا عند هذا البعض ، إذ سرعان ماتخلى أو نسى كل ذلك حينما أظهرت النتائج تراجع الإسلاميين حيث كشر عن أنيابه وعمد إلى استخدام أقذع ألفاظ الخسارة والسقوط والانتكاسة عن المترشحين الإسلاميين الذين لم يوفقوا ، رغم أن هذا البعض نفسه كان يطبل ويزمجر قبل بضعة أيام فقط بأن (الكل رابح في انتخابات البحرين)!!
أعرف أن البعض ينتظر مثل هذه الفرص للتشفي أو إرضاء حاجة في نفسه أو لتفريغ مشاعر مشحونة ضد الإسلاميين ؛ فهؤلاء من أصحاب الأعذار ، ولكن يجب أن يختلف عنهم الأسوياء من الإعلاميين والكتاب الذين يفترض أن تتجمَّل تحليلاتهم بالحيادية والموضوعية التي ترى أن الاشتغال في الشأن العام والانخراط في العمل السياسي ( ومنه المنافسة الانتخابية ) إنما هو معترك خاضع للنجاح والإخفاق ويحيط به القصور والنقص مثلما يشوبه الخطأ والصواب وتختلف تقديرات الناس حوله بين مؤيد ومتحفظ ، ومقاييس بورصته ترتفع مرة وتنزل مرة أخرى . وليس بالضرورة أن تكون مرات الصعود أو الهبوط دليلا على انحسار أو ضعف عموم مكانته في المجتمع خاصة أن بعض مترشحيهم – الإسلاميين – الخاسرين حصدوا الآلاف من أصوات الناخبين بينما فاز آخرون ودخلوا البرلمان فقط ببضع مئات من الأصوات ! وعلى العموم فإن الإسلاميين لايرون في البرلمان – على أهميته – إلا وسيلة من وسائل عدة في الدعوة والإصلاح وخدمة وطنهم ، فإن انسد باب بقيت أبواب ، وسيستمر الناس يأتمنونهم في رعاية زكواتهم ويتخذونهم وسطاء أمناء وسفراء مخلصين لإيصال صدقاتهم وتبرعاتهم إلى الفقراء والمعوزين والمشردين واللاجئين والأيتام والأرامل وماشابههم ، بل ويدفع الناس فلذات أكبادهم إلى محاضنهم ومراكزهم ليساعدوهم على تربيتهم وتنشئتهم وحفظهم من شرور وانحرافات كثيرة .
في الواقع من خسر من المنبر أو من الأصالة إنما هم فائزون كغيرهم من بقية المترشحين الخاسرين من أبناء البحرين الذين استجابوا في هذا التوقيت الهام لنداء وطنهم ، لايختلفون عنهم في شيء برغم حالة الإسفاف والابتذال عند أصحاب الأعذار ممن تغيرت لديهم لغة ( الكل رابح في انتخابات البحرين ) حينما تعلق الأمر بتراجع الإسلاميين .