في منتصف هذا العام، بالضبط في بدايات شهر يوليو الماضي، أي قبل حوالي خمسة أشهر من الآن، أقدمت حكومة وطننا العزيز على اتخاذ قرار وصفه الجميع بأنه شجاع، وعَدّوه في خانة القرارات الجريئة التي تأخرت كثيرا، القرار المذكور يتعلق بحفظ سيادة الدولة أولا، ويختص بوقف أي تدخلات خارجية في الشأن الوطني، ويمتثل لتوصيات المجلس الوطني، ويأتي لتنفيذ القرار رقم (31) لسنة 2013 بإضافة مادة جديدة برقم (الثالثة) مكرراً للقرار رقم (4) لسنة 2005 بشأن قواعد اتصال الجمعيات السياسية بالأحزاب أو التنظيمات السياسية الأجنبية، الذي نص على أن «يكون اتصال الجمعيات السياسية بالتنظيمات السياسية الأجنبية كبعثات التمثيل الدبلوماسي أو القنصلي الأجنبية لدى المملكة أو المنظمات والمؤسسات الحكومية الأجنبية أو ممثلي الحكومات الأجنبية وغيرها، داخل مملكة البحرين بالتنسيق مع وزارة الخارجية، على أن يكون هذا الاتصال بحضور ممثل عن وزارة الخارجية أو من ترتئيه من الجهات ذات العلاقة. وعلى الجمعية السياسية الراغبة في هذا الاتصال إخطار وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف بشأن التنسيق مع وزارة الخارجية وذلك قبل ميعاد الاتصال بثلاثة أيام عمل على الأقل».
القرار الجريء والشجاع الذي أعنيه، هو باختصار إقدام وزارة خارجيتنا آنذاك – في شهر يوليو الماضي – على طرد السيد توماس مالينوسكي مساعد وزير خارِجية الولايات المتحدة الأمريكية للشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان واعتباره شخصا غير مرحب به وعليه مغادرة البلاد فورا. وأرجأت الوزارة سبب ذلك (أنقله بالنص): لتدخله في الشئون الداخلية لمملكة البحرين وعقده اجتماعات مع طرف من دون أطراف أخرى بما يبين سياسة التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وبما يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الطبيعية بين الدول، إضافة إلى ذلك، تنفيذاً لما جاء في توصيات المجلس الوطني في جلسته الاستثنائية والتي عقدت في يوليو 2013م.
لا أحتاج إلى أن أذكر ردود الأفعال الوطنية الفرحة والمرحبة بمثل هذه الخطوة التي كسرت التردد وتجاوزت الخوف وحطمت الصمت على أفعال الـ (سي السيد) وبينت أنه قد بلغ السيل الزبى، مؤكدين ضرورة أن يبقى الحل لأي أزمة في إطار الأسرة الواحدة، وعلى الطريقة البحرينية الخالصة والمبرأة من أي تدخلات أو ترتيبات بات معروفا أنها لا تضمر الخير، والبعيدة عن أي غرابيب سود هي نذر شؤم وخراب أينما حلت.
لم تكن ردود الأفعال الشعبية والأقلام الوطنية وحدها المؤيدة فقط، وإنما انتفض بعض الوزراء والمسئولين للرد على اعتراضات الإدارة الأمريكية على طرد مالينوسكي وأسهبوا الكلام عن الحق السيادي وصحة القرار البحريني المتخذ، وكان قرارا وموقفا وتفنيدا موفقا ومفرحا طالما انتظرناه.
غير أنه بعد فرحتنا بذاك القرار الشجاع، وفي أثناء سعادتنا بانتهاء العرس الانتخابي؛ تفاجئنا الأخبار الآن بأن الشخص نفسه (مالينوسكي) قد عاد إلى البحرين مجددا، ومارس ذات العمل والدور محل غضب شهر يوليو!! بل وصرّح أو لمّح إلى بدء حوار (جديّ) في البحرين من أجل التسوية.. وقديما قيل (إِيش حدا مما بدا).
سانحة:
هم أبخص؛ معناها: أنت ما تفهم، ومؤداها أنك خارج المعادلة.