راصد

العمل في الشأن العام

سواء كانوا وزراء أو نواب أو شوريين أو أعضاء بلديين أو وكلاء أو مديرين أو إعلاميين أو عاملين في مؤسسات المجتمع المدني أو ما شابههم من أشخاص تصدّوا للعمل العام ، فتحمّلوا مسؤوليات في التنفيذ أو في التشريع والرقابة أو في التوجيه والتوعية أو غيرها من مهام مجتمعية تستهدف رفعة الوطن وخدمة المواطنين وتسيير شؤون الناس ومتطلباتهم ، وتقف على مشكلاتهم وتعالج قضاياهم ، وتلبي احتياجاتهم وتحقق طموحاتهم .

هؤلاء كلهم وافقوا على تولي كل هذه المسؤوليات ، وارتضوا أن تكون أسماءهم وصورهم بارزة وظاهرة في العلن ، وعلى الملأ ، كعنوان لمسؤوليات متعددة ومتنوّعة ، يجتهدون فيها ، يحالفهم الصواب في بعضها ويكون احتمال الخطأ والتقصير في جوانب أخرى ، حالهم في ذلك حال أي جهد بشري لايمكن أن يرقى للكمال مهما بلغ الجهد والحرص والإتقان فيه .

ومادام أن العمل في الشأن العام تكليف وليس تشريف ، ومسؤولية ضخمة قد تصدّى لها هؤلاء ، على اختلاف درجاتهم وتنوّعها ؛ فإن المطلوب منهم أن تتسع صدورهم للانتقادات والملاحظات وأن يتقبلوها باعتبارها شأناً لازماً لتقييم أعمالهم وتسديد إنجازهم وبيان مواقع النجاح وأماكن الإخفاق . آراء الآخرين – بالسلب أو الإيجاب – هي معين ونقاط قوّة تثري فكر الوزير أو النائب أو الشوري أو العضو البلدي أو أي مسؤول ممن يجب ألاّ يرى في نفسه ( سوبر مان ) أو مثلما يقول إخواننا المصريين ( ماخذ زومبه في روحه ) لايخطيء ولايقصّر .

أسوأ أصناف العاملين في الشأن العام هم أولئك الذين أدمنوا حبّ الظهور ، وصارت ( الكاميرات ) والأضواء والبهرجة الإعلامية ممارسة ولازمة يومية لهم ، لاتفارقهم ، لكنهم – بالرغم من ذلك – لايقبلون النقد والنصح ، ولايريدون أن يقرأوا أو يسمعوا سوى المديح والإشادة والتطبيل الذي قد يصل في أحيان كثيرة إلى حدّ التهريج والاستهبال ! ويرون أن أعمالهم وتصرفاتهم فوق النقد وغير قابلة لميزان الخطأ والصواب مع أنهم قد تقلّدوا مسؤوليات عامة من المفترض أن تكون الآراء حول تنفيذها حقّ مشاع لعموم المواطنين والمقيمين ، لاينازعهم أو يحاسبهم أحد تجاه هذا الحق العام .

للأسف هناك بعض حالات يُنتقد فيها بعض الشخصيات العامة فيكون أصحاب هذا النقد محلاً لهجوم شرس من قبل هذه الشخصيات ، إما بأنفسهم أو غالباً عن طريق مسؤولين في مؤسساتهم أو وكلاء ومندوبين في الصحف أو في وسائل التواصل الاجتماعي ، هجوم تتدني فيه لغة الخطاب وتنزل لمستويات قريبة من ( الشوارعية ) ، بل والأخطر أن تذهب هذه الشخصيات العامة بعيداً في ردودها على النقد ، فتكون على شكل انتقامات أو عقوبات غير مباشرة ، وبعضها تكون أشبه بتصرفات و( زعل يهال صغار ) !!

تتوارد على الأسماع حالات غريبة و( كارثية ) لردود أفعال على مجرّد انتقادات أو ملاحظات لم تتقبّلها شخصيات عامة تصل إلى حدّ التجرّأ على ( ظلم ) الناس في أرزاقهم وترقياتهم ومداخيلهم بصورة فجّة وفضائحية تنمّ عن خلل في فهم طبيعة الوظائف العامة ومتطلباتها وأخلاقياتها ومدى رحابة فكرها وسعة أفقها لقبول التعدّد والتنوّع ، وأثر هذا القبول على تعديل المسار والدفع نحو النجاح بدلاً من التقوقع تحت رحمة طبّالين ومنافقين ومتمصلحين لايرون إلاّ بعيون واحدة .

إن الإدارة الحديثة والمهنية العالية تجاوزت مابات معروفاً عند البعض بـ ( زعل اليهال ) وجعلت من ملاحظات الجمهور وانتقاداتهم وآرائهم متراساً وأسباب قوّة ، تزيد من أقدراهم وترفع من شأنهم . وسلفنا الصالح كانوا يرددون عندما يمسكون مسؤوليات عامة : ” رحِمَ الله من أهدى إلي عيوبي ” .

سانحة :

صارت هنالك علاقة طردية ؛ كلما حلّ الفشل وقلّ الإنجاز وتضاعف التردّي زادت الحساسية من النقد وعدم القبول بالرأي الآخر .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s