من أشدّ صور البؤس الكثيرة التي نعيشها أن يتصدّى لقضايا حقوق الإنسان أو حرية الرأي والتعبير وحفظ كرامة الإنسان وعدم امتهانه وضرورة توفير ضمانات القانون و… إلخ ؛ من هم في دنيا الناس أشبه بالعاهرة التي تُعطي دروساً في العفاف وتلقي محاضرات وتقيم ندوات عن الطهارة والأخلاق !
وما أن تقرأ في هذا الصدد بيان أو دعوة منهم ، سواء هنا أو هناك حتى تظن أنها صادرة من مدن أفلاطون ، المدن الفاضلة التي لاتنتهك فيها الحقوق ولاتُقمع الحريات ، والناس فيها سواسية ، كأسنان المشط ، لافرق بين مواطن أو مقيم ، ولا تمييز بين أبيض وأسود ، يمارسون شعائرهم بلا خوف أو قلق من تضييق أو منع أو إغلاق أو ملاحقة أو ماشابهها من مفردات شائعة في تلك البلدان المعروفة بسيل من الانتهاكات التي تصل إلى حدّ جرائم القتل والنصب خاصة إن تعلّق الأمر بالمسلمين ، وعلى الأخص المسلمين السنّة ، الذين هم المصبّ الرئيسي للإسلام .
في نهاية الأسبوع الماضي – على سبيل المثال وليس الحصر – وبينما كانت الإدارة الأمريكية قد أصدرت بياناً تعرب فيه عن قلقها بشأن اعتقال الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق ، في ذات التوقيت تفرج الإدارة الأمريكية نفسها عن ستة معتقلين من سجنها ، سيء الصيت ، سجن غوانتنامو .
الستة المفرج عنهم هم : ثلاثة تونسيين وثلاثة يمنيين ، غابوا وراء قضبان السجن الأسوأ في العالم لمدة تقارب ثلاثة عشر عاماً ، من دون تهمة ، ومن دون محاكمة ، نهارهم في هذا السجن كما صباحهم ، والظلام فيه لايختلف عن النهار ، والموت فيه كما الحياة ، ساحاته خالية تماماً من أية حقوق للإنسان ، وردهاته بعيدة عن أية حقوق آدمية ، وأغلب من فيه يتمنون أن يغيبهم الموت ويرون فيه خلاصاً من غياهب غوانتنامو التي حلّت أول دفعة في سجنه في شهر يناير 2002م ، وكانت تقارب أعدادهم الـ (150) معتقلاً ، تم تغييبهم هناك بدون تهم محددة ، وبدون محاكمات ، وبدون محامين ، وبدون زيارات ، وبدون وبدون أية حقوق تتصدّر بيانات الخارجية الأمريكية عن ضرورة مراعاة حقوق الإنسان وضمان حرية التعبير وتوفير الإجراءات والضمانات القانونية لمتهمين أو معتقلين في مختلف أرجاء العالم وتنسى نفسها فتكون كما العاهرة التي تلبس أثواب الستر والعفاف .. وقديماً قيل : فاقد الشيء لايعطيه ..