نافذة الجمعة

بين صنعاء وباريس

شاء القدر أن تجري يوم الأربعاء الماضي عمليتين إرهابيتين في ذات الوقت كشفتا عن مقدار رهيب من المفارقة في قيمة الأرواح الإنسانية ومقدار التباين في النظر إلى كرامتها وحجم ( الفزعة ) والحزن والقلق والاستنكار الذي صاحب العملية الأولى وغاب عن الأخرى .

العملية الأولى كانت في باريس ، بالضبط في مقر صحيفة شارلي ايبدو الأسبوعية الساخرة حيث هاجمها ثلاثة أشخاص وأطلقوا النار على أسرة تحريرها أثناء اجتماع لهم فأوقعوا (12) قتيلاً و(11) جريحاً . وعلى الفور ضجت الدنيا بهذا الخبر ، الفضائيات تقطع بثها ، قادة العالم يستنكرون ، المنظمات الدولية تدين وتشجب هذا الإرهاب .

وأما العملية الثانية ؛ فقد كانت في صنعاء حيث انفجرت سيارة مفخخة أمام كلية الشرطة هناك فأوقعت على الفور (37) قتيلاً و(66) جريحاً ، وبالرغم من فداحة مشهد العملية الثانية ، وبالرغم من أن عدد ضحاياها – مابين قتلى وجرحى – هو أضعاف مثله في العملية الأولى ؛ إلاّ الدنيا لم تضجّ على موتهم ، وأن قادة العالم وحكومات الدول لم تستنكر مثلما أن منظماتها الدولية لم ( تفزع) ولم تعرب عن قلقها وتنديدها في مفارقة صارخة نتعرّف من خلالها على القيمة المستباحة للدم العربي والمسلم الذي يُسفك كل يوم وتسيل أنهاره النازفة ، سواء في اليمن أو العراق أو سوريا أو فلسطين أو بورما أو أفغانستان أو غيرها من بلدان العروبة والإسلام وحتى في أوروبا وأمريكا بصورة صار معها أن إزهاق أرواح المسلمين أينما كانوا ، أمراً معتاداً ، لايهز ضمير العالم ، ولايستدعي القلق والإنكار بخلاف أية أرواح أخرى لاتمت للمسلمين بصلة فإن العالم بشأنها قد تقوم قائمته ويشحذ لها غضبته ، بما فيهم أنظمة عالمنا العربي والإسلامي التي تسابقت على شجب عملية شارلي ايبدو واعتبرت عملية صنعاء أمراً مألوفاً رغم الفارق العددي ! لكن قيمة الأرواح صارت مختلفة بين شارلي ايبدو وصنعاء .

سانحة :

لايوجد بين المسلمين من يطرب لسفك الدماء ، أو يأنس بترويع الآخرين ، أو يتلذذ بالاغتيالات والاعتداءات وإثارة الرعب وزعزعة أمن الناس وأمانهم ، فذلك مما يجب أن يُنكر ويُرفض ويُشجب ليس من باب مخالفته للفطرة البشرية السوية فحسب بل بالنسبة للمسلمين فإن دينهم الإسلامي العظيم قد حفظ للناس دماؤهم وحقوقهم وأعراضهم وأموالهم على نحو غير موجود في شتى الشرائع والأديان. لكن السؤال : لماذا رخصت دماء المسلمين وأصبحت أرواحهم بلاقيمة على هذا النحو حتى عند المسلمين أنفسهم ؟!!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s