كان معيباً أو مدعاة للغرابة أن يخرج علينا البعض في هذه الأيام ليثبط من الغضبة لرسول الله صلى الله عليه وسلمّ ويطالب بعدم الاهتمام بالإساءة له وعدم المبالاة بما يٌنشر من بذاءات ورسومات تسخر من سيد البشر ، واعتبارها ( طاف ) وألا تُعطى أكبر من حجمها . ومثار الغرابة أن يصدر مثل هذا ( السّفه ) من هيئات شرعية وعلماء يُفترض فيهم حمْل راية الدفاع ومسك مبادرة الذبّ عن رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلّم الذي يجمع المؤرخون والمستشرقون أن لا شخصية في مشارق الأرض ومغاربها وعلى مرّ الأزمان اكتسبت هذا الحب والالتفاف حولها والذود عنها وفدائها كما الرسول صلى الله عليه وسلّم .
قد نعذر بعض الليبراليين أو العلمانيين أو أمثالهم من المتفسخين من عرى الإسلام حينما يعتبرون – زوراً وتدليساً – مثل هذه الإساءات إنما هي من قبيل حريات الرأي والتعبير رغم أنهم يقولون بخلاف ذلك حينما تتعلق الإهانات أو الإساءات بقادة وزعماء لايجرأون على تصنيفها في إطار حرية التعبير ، حالهم حال المنافقين و(الطبالين ) . لكننا كمسلمين فإن حبّه عليه الصلاة وأفضل التسليم بالنسبة لنا إنما هو عبادة نتقرّب بها إلى خالقنا ومولانا سبحانه وتعالى . وقد روى الإمام البخاري : قال صلى الله عليه وسلّم : “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”.
وفي بياض تاريخنا الإسلامي المجيد ، قال ابن إسحاق : وفرغ الناس لقتلاهم يوم أُحُد ( بعد غزوة أحُد ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ؟ أفي الأحياء أم في الأموات ؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال : يا سعد بن الربيع ، مرة بعد مرة ، فلم يُجبه أحد حتى صاح : يا سعد بن الربيع ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني أنظر ماصنعت ، فأجابه سعد بصوت خافت ضعيف .. فنظر إليه محمد بن مسلمة فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق . فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظـر ، أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال سعد : أنا في الأمـوات ، فأَبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام ، وقل له : إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنّا خير ماجزى نبياً عن أمته ، وأخبره إني قد طُعنت اثنتي عشرة طعنة ، وإني قد أنفذت مقاتلي .
ثم قال سعد بن الربيع لمحمد بن مسلمة : أبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لاعذر لكم عند الله ، إن خلُص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف. ثم لم يلبث أن قضى شهيداً رضي الله عنه .
ولذلك فإن الإساءات البالغة التي يجري توجيهها بين حين وآخر ، سواء من الصحيفة السيئة ( شارلي أبيدو ) أم غيرها ، في حقّ المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ لاتنفع معها التصريحات الرسمية ، القليلة والخجولة التي تصدر من بعض العواصم العربية والإسلامية وتبين فيها معارضتها أو استنكارها لتلك الإساءات ، ومؤخراً تلك التصريحات الغريبة والساذجة بأن تُترك تلك الإساءات والإهانات ، وماكان لذلك أن يستمر لو كانت هنالك غضبة حقيقية تهدد أو على الأقل أو حتى تلوّح بإجراءات عملية وعقابية أو قطع علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع تلك الدول التي باتت تعرف جيداً أن أمتنا العربية والإسلامية صارت ( كالطوفة الهبيطة ) للكابوي والعلوج يتعدّون فيها على كل شيء بما فيها مقدّساتنا وقرآننا ورسولنا الكريم ، فما لجرْحٍ بميّت إيلام .
سانحة :
كان صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم يقولون ” والله ما أحبّ أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تُؤذيه ، وإني جالس في أهلي ” . أكثروا في هذا اليوم المبارك من الصلاة والسلام عليه .