في دراستنا للخبر الصحفي في كلية الإعلام ؛ كانوا يقولون لنا : إذا عضّ كلبٌ – أعزكم الله – رجلاً فإن ذلك أمر معتاد ، ولايستحق أن يكون خبراً بينما لو حصل العكس ، أي قام رجل بعض كلب فإن هذا هو الخبر الذي تنطبق عليه صفاته الصحفية ويمكن الاهتمام به وإثارته .
وفي هذه الأيام نشأت قاعدة أخرى يمكن أن تُدرّس في كليات الإعلام بالنسبة للخبر الصحفي ؛ وهي أنه إذا كان المقتول مسلماً فإنه أمر معتاد ، لايصلح أن يكون حتى مادّة خبرية ، وأما إن كان غير ذلك ، خاصة من الجنسيات الغربية والأمريكية فإنه يتصدّر الصحف وتتوقف لأجل بثّ الخبر الفضائيات ، ويمكن أن يقف العالم ولايقعد . ومما يُلصق أيضاً بهذه القاعدة أنه في حال أن يكون المقتول والمغدور به مسلماً فإن قاتله غالباً مايُصار إلى الإعلان عن أنه مختل عقلياً ! لكن في الحالة الأخرى ؛ فإن تهمة الإرهابي جاهزة للقاتل ، وبلا منازع !!
ولايحتاج الأمر لاستكشافه إلى كثير عناء ، فالأمثلة أكثر من أن تُحصى ، ولايجهل الاستدلال على صحة هذا المنحى أحد بحيث أنها صارت هي القاعدة السائدة المعمول بها والمرضي عنها .
فبالأمس الأول ؛ قام رجل أمريكي ، كريج ستيفن هيكس ، يبلغ من العمر (46) عاماً ، وفي ولاية كارولينا الشمالية في الولايات المتحدة بإطلاق الرصاص على ثلاثة من المسلمين ، في منزلهم : وهم ضياء شادي بركات(23 ) سنة، وزوجته يسرا محمد أبو صالحة ( 21) سنة، وشقيقتها رزان محمد أبو صالحة(19) سنة. فأرداهم قتلى في داخل منزلهم ، فلم يأبه بعملية الاغتيال هذه أي أحد ، ولم تتناقلها الفضائيات ، ولم تصدر لأجلها بيانات الاستنكار ولامسيرات التنديد بالإرهاب رغم أنها لاتختلف في فظاعتها وإجرامها مع – مثلاً – حادثة ” شارلي ايبدو” في باريس !
فقط ؛ لنتصوّر لو أن القتلى الثلاثة أمريكيين أو أوروبيين أو يهود ، وأن جريمة اغتيالهم جرت في إحدى ديار العروبة والإسلام ، مجرّد تصوّر ردود الأفعال التي ستكون بالطبع مجلجلة ومشبعة باتهامنا – دول وأفراد – بالإرهاب والتشدّد والتطرّف ، وسينتفض معهم الحكام والمسؤولين العرب والمسلمين استنكاراً وشجباً وتنديداً ، ثم ستتحرّك آلتهم الإعلامية والدبلوماسية والحقوقية بنعت الدين الإسلامي والمسلمين بالتعصّب والإرهاب الذي ينبغي أن تُدفع وتُخصص ميزانيات ضخمة لمقاومته وتجفيف منابعه ، وماشابه ذلك من ردود أفعال غاضبة وقوية لم نر – للأسف الشديد – جزءا منها تجاه الجريمة الإرهابية التي وقعت يوم أمس الأول في ولاية كارولينا الشمالية بأمريكا لالشيء سوى أن الضحايا مسلمون لاتنطبق عليهم عناصر الخبر الصحفي ، ولاتستدعي دماءهم وأرواحهم ( الفزعة ) لإزهاقها كما هو الحال لو كانوا من غير المسلمين ..